*/

الرئيسية > أخبار المغرب

هذه رسائل الملك محمد السادس المشفرة إلى من يهمهم الأمر

  • الإثنين 24 أكتوبر 2016 - 07:00

د. رشيد الكشرادي*
عادت الإدارة المغربية، بأعطابها واختلالاتها، إلى واجهة الأحداث بعد الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من الولاية التشريعية الحالية. وإذا كان الجميع، بمن فيهم أولئك الذين تابعوا الخطاب من داخل قبة البرلمان، مقتنعا بأن الإدارة المغربية وصلت بالفعل إلى أدنى مستويات الانحطاط واللامبالاة بمصالح الوطن والمواطن، فإن اللافت كان زمان الخطاب ومكانه وكذا حدة العبارات التي وظفها الملك وصرامتها، وهو كان بالتأكيد مقصودا ومشبعا بالدلالات العميقة.
الإدارة المغربية، التي تعرضت للقصف من لدن الملك والتي تتعرض يوميا للسب والقذف من لدن الملايين من المرتفقين المغاربة والمرتفقات، ما هي في حقيقية الأمر سوى شخص معنوي لا حول له ولا قوة. الواقع أن أشخاصا ذاتيين هم من يتحملون بشكل مباشر المسؤولية السياسية والأخلاقية وحتى القانونية عن الوضع الكارثي التي وصلت إليه الإدارة المغربية، وجعلت المغرب يتذيل التصنيفات الدولية في مجال الحكامة والتنمية البشرية ومناخ الأعمال.
ولذلك، فبالرغم من أن جل التحليلات التي تناولت مضمون الخطاب الملكي قد اعتبرته صريحا ومباشرا، فإننا نكاد نجزم بأن القراءة العميقة والمتأنية لهذا الخطاب تجعلنا نستشف بالفعل أنه يحمل رسائل مشفرة إلى أشخاص بأعينهم، خاصة أولئك الدي كانوا يتابعون الخطاب مباشرة أمام الملك في قبة البرلمان، فهم يتحملون جزءا من المسؤولية فيما وصلت إليه الإدارة المغربية؛ لكنهم يتحملون بالتأكيد المسؤولية الكبيرة والثقيلة في تغيير الوضع، والارتقاء بالصورة النمطية التي أضحت عليها المرافق العامة بالمغرب، وفق خطة الطريق التي أعلن عنها الملك في خطابه الأخير.
أولى الرسائل المشفرة كانت موجهة صوب السيد رئيس الحكومة، الذي بدا طيلة الخطاب مطأطئ الرأس. الرسالة تحمل في طياتها ما يمكن اعتباره استشرافا للمستقبل أكثر منه عتابا على الحصيلة الهزيلة لولايته الأولى. فرئيس الحكومة، في عهد الدستور الحالي، أصبح يعين أكثر مما يعين الملك في مناصب الدولة السامية، والذين تناط لهم بصورة مباشرة المسؤولية المباشرة عن تسيير الإدارات المغربية. كما أن الدستور نفسه قد ربط تولي المسؤولية بالمحاسبة سواء أثناء الممارسة أو بعدها. الرسالة مفادها إذن: يتعين عليكم، السيد رئيس الحكومة، ممارسة صلاحياتكم في تعيين المسؤولين بكل شجاعة، بكل استقلالية، وبعيدا عن المصالح الحزبية والسياسية الضيقة. وإذا ما تبث لديكم تقصير أحدهم أو إخلاله بمسؤولياته المهنية والإدارية، فيتعين عليكم اتخاذ التدابير المناسبة لمحاسبته وفق مبادئ دولة الحق والقانون، بعيدا عن توظيف الأهواء الشخصية والاجتهادات العقيمة التي تفرغ هذا المبدأ من محتواه الدستوري والقانوني.
الرسالة المشفرة الثانية موجهة إلى السادة رؤساء الأحزاب المغربية، والذين هم الآن في مرحلة المفاوضات من أجل المشاركة في الحكومة الجديدة بدواعي الحفاظ على مصلحة الوطن العليا. الرسالة مفادها: إذا كان هذا الشعار يعبر حقيقية عن توجهاتكم الحزبية والنضالية، فاقترحوا لشغل المناصب الوزارية من يمكنه بالفعل أن يدفع بالإدارة المغربية نحو التغيير الحقيقي الذي ينشده المواطن المغربي. لا مجال للممارسة البرغماتية الزائدة عن اللزوم خلال المرحلة المقبلة لتوزيع الحقائب الوزارية بعدما سادت خلال مرحلة اقتراح اللوائح الانتخابية. لا تكرروا نماذج وعينات من وزراء شاركوا في الحكومة السابقة بنسختيها، وزراء قضوا جزءا من وقتهم في تدبير شؤون جماعاتهم الترابية، وأضاعوا الكثير من الجهد والوقت في قضايا أخرى إما شخصية أو هامشية، أكثر مما قضوه في تدبير قطاعاتهم الوزارية والارتقاء بمصالح المواطن.
الرسالة الثالثة موجهة إلى برلماني الأمة. الرسالة تحثهم على ممارسة كل مهامهم ومسؤولياتهم بمنتهى الإخلاص والتضحية واليقظة وفق ما هو مسطر في دستور المملكة. الشق الأول من المهام الموكولة إليهم يتعلق ببذل المزيد من الجهد والعمل في تطوير التشريعي المتعلق بمواكبة التحولات السوسيواقتصادية المرتبطة بالإدارة العمومية، فكيف يعقل أن يبقى النص المنظم للوظيفة العمومية ساري المفعول منذ بزوغ عهد الاستقلال. هل أصبح المشرع المغربي عاجزا عن مواكبة التحولات أم أن شؤون الوظيفية العمومية وقضايا الموظفين ليست بتلك الأهمية التي أشار إليها الملك في خطابه الأخير. الشق الثاني من مهام ممثلي الأمة يتعلق بالجانب الرقابي على عمل المؤسسات العمومية. فنادرا ما يتم تشكيل لجان تقصي الحقائق لتتبع اختلالات المؤسسات العمومية، إلا إذا كان الأمر يتعلق بالاختلالات المالية ولا سيما الكبيرة منها؛ وحتى إذا تم تشكيلها، فغالبا لا يتم عرض نتائجها وتتبع توصياتها وإحالة ملفاتها على القضاء. فالرقابة البرلمانية، إذن، يجب أن تكون بشكل آلي ومؤسساتي، وتشمل جميع الاختلالات بما فيها الفساد الإداري والمالي.
الخطاب الملكي حمل تشخيصا دقيقا لواقع الإدارة المغربية وانعكاساتها المباشر على مصلحة الوطن والمواطن؛ لكن تثمين الخطاب الملكي وتفعيله لن يكون حتما بمجرد عقد اجتماعات طارئة بمقرات الولايات والعمالات وتحسيس رؤساء المصالح الخارجية بأهمية تفعيل مضامين الخطاب، ولا بالتحاق الموظفين الأشباح إلى مقرات عملهم، ولا حتى بتقديم بعض مسؤولى القطاعات العامة ككبش فداء كما جرت العادة بعد كل غضبة ملكية. ما يجب عمله هو تغيير جذري لواقع القطاع العام بالمغرب، تغيير يستلزم الشجاعة في اتخاذ قرارات حاسمة في المجال التشريعية والتنظيمية وحتى المالية.
لقد كانت الحكومة منتهية ولايتها شجاعة بما فيه الكفاية للحسم مع ملفات كانت تبدو لسنوات طوال صعبة وحساسة، على غرار ملف التقاعد وصندوق المقاصة. نريد ونتمنى من الحكومة ذاتها أن تتحلى بالقدر نفسه من الشجاعة لتنفيذ خارطة الطريق التي أعلن عنها الملك من أجل التغيير والارتقاء بالواقع البئيس للإدارة المغربية. وإذا ما توفرت للحكومة الشجاعة الكافية والإدارة القوية لذلك، فلربما ستربح رهان التغيير، وستعمل بشكل مواز على مجابهة معضلات أخرى يعانيها المغرب وتتمثل أساسا في ملفات التعليم، الصحة والعدل. ملفات ثلاثة تشكل أضلاع مثلث الرعب الذي يعيشه المغاربة بشكل يومي، والتي تشكل الوجه المظلم للإدارة المغربية.
من الناحية العملية، فالتغيير المنشود يجب أن يرتكز على أربعة محاور رئيسية. المحور الأول يتعلق بضرورة وضع مقاربة مندمجة للتعامل مع الموارد البشرية بالقطاعات العمومية. وعندما نتحدث عن القطاعات العمومية، فإننا نقصد كل القطاعات العمومية بدون تفضيل قطاع على آخر، مقاربة تأخذ بعين الاعتبار سياسية الأجور، التكوين، والتقييم والترقية والتتبع المباشر والدائم للأداء الفردي والجماعي لموظفي الدولة. المحور الثاني يتعلق بتحديث النصوص التشريعية والتنظيمية المنظمة للمرفق العمومي وجعلها مواكبة للتطورات الخاصة بكل قطاع. المحور الثالث يتعلق بتوسيع مجال تطبيق مبادئ الشراكة بين القطاع العام والخاص ليشمل تدبير الإدارة المغربية؛ وذلك عن طريق إدماج الآليات الإستراتيجية والتنظيمية للقطاع الخاص في تدبير مؤسسات الدولة وفق رؤية جديدة تأخذ بعين الاعتبار حسنات هدا القطاع، لكن تأخذ أيضا بصرامته وحزمه عند الاقتضاء. المحور الرابع والأخير يتعلق بتفعيل آليات المراقبة سواء الإدارية منها أو القضائية، والقطع نهائيا مع سياسة عفا الله عما سلف، فبمثل هذه الشعارات لن نبني دول الحق والقانون، وسيتمادى المفسد في فساده، والمتهاون في تهاونه، والشبح في غيابه، وسيبقى التشخيص الدي قدمه الملك حول الإدارة المغربية هو السائد لفترات طويلة إن لم يتدهور أكثر مما عليه الآن في مقبل السنوات.

*أستاذ باحث
elkachradi@gmail.com

عبر عن رأيك

الآن تيفي

المزيد


استفثاء

ما هي نوعية المواضيع االتي تفضلون قرائتها على موقعكم شيشاوة الآن

التصويت انظر النتائج

جاري التحميل ... جاري التحميل ...