*/

الرئيسية > أخبار المغرب

أنوزلا..ماذا لو خرج “إسلاميو القصر” إلى المعارضة؟

  • الأربعاء 22 فبراير 2017 - 19:30

علي أنوزلا
في تصريحات صدرت عنه مؤخرا، أعلن رئيس الحكومة المغربي المعين، عبد الإله بنكيران، وهو في نفس الوقت الأمين العام لحزب “العدالة والتنمية” الإسلامي، الذي تصف الصحافة الغربية أعضائه بـ “إسلاميي القصر”، قال إن حزبه لا يستبعد العودة إلى صفوف المعارضة في حالة ما إذا تعذر عليه تشكيل الحكومة.
فبعد الانتخابات التشريعية التي شهدها المغرب يوم 7 أكتوبر وأعطت نتائجها الصدارة للحزب الإسلامي الذي قاد التجربة الحكومية السابقة، وطبقا لما ينص عليه الدستور المغربي، كَلف الملك زعيم الحزب المتصدر لنتائج الانتخابات بتكوين حكومة أغلبية. لكن، بعد أكثر من أربعة أشهر من “المفاوضات” تعذر على زعيم الحزب الإسلامي الذي قاد الحكومة المنتهية ولايتها النجاح في مهمته. مشكل تعثر تشكيل الحكومة المقبلة في المغرب يكشف حقيقة “الاستثناء” المغربي في كل شيء. فمن يعارض تكوين هذه الحكومة هي بعض أحزاب الأغلبية المنتهية ولايتها. أي الأحزاب التي تعايشت طيلة خمس سنوات في ظل الحكومة السابقة التي قادها حزب “العدالة والتنمية”، وهي نفسها التي تضع اليوم “الشروط” و”العراقيل” أمام رئيس الحكومة المعين، وهو نفسه رئيس الأغلبية السابقة التي ضمت نفس الأحزاب المنتفضة على رئيسها السابق.
والمفارقة، أن الأحزاب التي تضع اليوم الشروط على رئيس الحكومة المعين، كلها بلا استثناء خسرت في الانتخابات السابقة، وليس لها أي امتداد شعبي داخل المجتمع المغربي، والشروط التي تضعها لا علاقة لها ببرنامج الحكومة المقبلة وإنما بعدد ونوعية الحقائب الوزارية التي تريد أن تشغلها في الحكومة المقبلة. وهي حقائب تعطيها أكثر من “حقها الطبيعي”، لأنها تريد أن تكون قائدة الحكومة الفعلية وليس فقط مشاركة فيها!
مثل هذا الوضع الغريب لا يمكن أن يحدث في أي بلد يحتكم إلى أبسط القواعد الديمقراطية التي تعتبر نتائج صناديق الاقتراع هي الفيصل. وهذا الوضع ما كان له أن يوجد في المغرب لو لا وجود “قوة قاهرة” كما سماها ذات يوم رئيس الحكومة المعين، هي التي تتحكم في خيوط اللعبة من الخلف. هذه القوة هي القصر الملكي الذي تستمد منه الأحزاب التي “تعارض” اليوم رئيس الحكومة المعين وتحاول أن تفرض شروطها عليه، وهو ما دفعه في آخر تصريحات إلى التلويح إما بالعودة إلى الناخب المغربي مرة أخرى للحسم أو خروج حزبه إلى المعارضة.
رسائل رئيس الحكومة المعين، كما يفهمها المواطن المغربي، لم تكن موجهة إلى الأحزاب التي تعرقل تشكيل حكومته وإنما إلى القصر الذي يقف ورائها والتزم طيلة فترة الأزمة السياسية التي دخلها المغرب نوعا من “الحياد السلبي”، لأن الكل في المغرب يعي أن الأحزاب التي تعارض اليوم رئيس الحكومة المعين لا تملك استقلالية قراراتها بيدها.
فماذا تعني إعادة الانتخابات في المغرب؟ وماذا يعني خروج الحزب الإسلامي المتصدر لآخر انتخابات إلى المعارضة؟ في الحالة الأولى، قد لا يتغير أي شيء لأن قواعد اللعبة الانتخابية في المغرب متحكم فيها، ولا يمكن أن تعطي لأي حزب أغلبية نسبية تمكنه من الحكم لوحده. وبالرغم من المفاجئة التي أحدثها حزب “العدالة والتنمية” في الانتخابات الأخيرة عندما حصل على أكثر من 31 في المائة من مقاعد مجلس النواب -الغرفة الأولى داخل البرلمان المغربي ينتخب أعضاؤها بالاقتراع المباشر-، إلا أنه لا يتوقع أن يحصل الحزب على نتائج أكبر من تلك التي حصل عليها في الانتخابات الأخيرة في حال أٌعيدت الانتخابات، بالرغم من التوقعات التي تراهن على أنه قد يَهزم مرة أخرى “نمط الاقتراع” التي تضبط السلطة من خلاله الحقل السياسي المغربي.
يضاف إلى ذلك، أن خيار إعادة الانتخابات في المغرب هو قرار مكلف ماديا بالنسبة للدولة، ونتائجه غير مضمونة لإعادة ضبط قواعد اللعبة وتحجيم دور اللاعبين داخلها. دون الحديث عن كون هذا القرار ليس قرارا حزبيا يمكن أن يتخذه حزب واحد أو عدة أحزاب، وإنما يعود الحسم فيه إلى الملك الذي التزم الصمت حتى الآن، رغم أن محيطه ممثلا في بعض مستشاريه ظهروا كفاعلين على الساحة السياسية وخرقوا قواعد “الحياد” و”التحفظ” الذي يفرضه عليهم موقعهم.
لذلك، يبقى الاحتمال الوحيد الذي يوجد قراره بيد رئيس الحكومة المعين هو قيادة حزبه إلى صفوف المعارضة. وهذا قرار سيادي بيد الحزب لا يمكن أن يجادله في أي أحد. لكن إلى أي حد يمكن للحزب أن يقرر العودة إلى صفوف المعارضة؟ وما هي رهانات وتكلفة ومزايا مثل هذا القرار في حال لو وجد الحزب نفسه مضطرا لاختياره؟ فالأحزاب توجد من أجل الوصول إلى السلطة وليس من أجل المعارضة فقط.
لنبدأ بما هو سلبي، فخروج الحزب الإسلامي، الوحيد المعترف به في المغرب، إلى صفوف المعارضة سيخدش صورة “الاستثناء المغربي” الذي كان أول بلد عربي يصل فيه من يوصفون بـ “إسلامي القصر” إلى الحكومة بطريقة سلمية وعن طريق صناديق الاقتراع. كما أن اضطرار الحزب الذي احتل الصف الأول في الانتخابات المحلية التي عرفها المغرب عام 2015، وفي الانتخابات التشريعية التي جرت عام 2016، سيهز صورة “الديمقراطية المغربية” في الخارج والداخل. بالإضافة إلى ما قد يحمله مثل هذا الخروج من ضرر بثقة المواطن المغربي في العمل السياسي عندما يدرك أن صوته لا يساوي أي شيء في نهاية المطاف.
ومثل هذا الخروج المحتمل لحزب إسلامي حامل لمشروع “إصلاحي” إلى صفوف المعارضة، هو أيضا إعلان رسمي عن فشل مشروعه السياسي المبني على الإصلاح التدريجي ومن الداخل. أما على الجانب الآخر، أي الإيجابيات التي قد يحملها مثل هذا القرار، فهو سيساعد الحزب وأمينه العام على التخلص من ضغط الابتزاز الذي وضعه ما بين سندان “الدولة العميقة” ومطارقها من الأحزاب التابعة لها.
كما أنه سيعيد للحزب بعضا من مصداقيته وشعبيته التي بدأت تتآكل بسبب التنازلات التي أقدم عليها والقرارات اللاشعبية التي اتخذها عندما قاد الحكومة المنتهية ولايتها. أيضا، مثل هذا الخروج، سيقوي جبهة المعارضة في المغرب ضد التسلط والفساد، والتي يقودها اليوم الشارع مسنودا بتيارات إسلامية وأحزاب يسارية ومنظمات حقوقية ونقابية، وفي حال وجود سند قوي لهذه المعارضة من داخل المؤسسات المنتخبة فإن صوتها سيكون مسموعا ومطالبها ستصبح محرجة للسلطة التي تقابلها اليوم باللامبالاة أو بالقمع.
طبعا، مثل هذا القرار قد تكون له تكلفة باهظة من المحتمل أن يدفعها مناضلو الحزب الإسلامي، وقد بدءوا بالفعل بدفع جزء منها من خلال الاعتقالات التي طالت بعض أعضاء شبيبة الحزب في الفترة الأخيرة ومحاكمتهم بـ “قانون الإرهاب”، على خلفية تعليقات لهم على “فيسبوك” إثر مقتل السفير الروسي في تركيا. لكن مثل هذا الأسلوب في “الترهيب” الذي تعتمده السلطة بقصد تخويف مناضلي بعض الأحزاب المعارضة لها، وتخويف المواطنين من التعاطف معها أو التصويت لصالحها، غالبا ما أتى بنتائج عكسية في صالح هذه الأحزاب التي تجد نفسها في وضع “المضطهد” و”المظلوم”.
وفي كل الحالات، سيبقى تلويح زعيم الحزب الإسلامي الأول، المشارك في اللعبة السياسية في المغرب، بالخروج إلى المعارضة، مجرد مناورة سياسية للضغط على الطرف الآخر للتخفيف من شروط “ابتزازه”، فهو يدرك قبل غيره أن السلطة في المغرب، بالرغم من أنها لا تريده شريكا لها في الحكم، إلا أنها تخشى وجوده في المعارضة أكثر من بقائه في الحكومة.

عبر عن رأيك

الآن تيفي

المزيد


استفثاء

ما هي نوعية المواضيع االتي تفضلون قرائتها على موقعكم شيشاوة الآن

التصويت انظر النتائج

جاري التحميل ... جاري التحميل ...