*/

الرئيسية > أخبار المغرب

عبد الله العروي..الفيلسوف الأخير

  • الجمعة 7 أبريل 2017 - 16:50

“أُحَمل أغلبية المسؤولية للمثقف الحر الذي له إمكانية الجهر بعقيدته، وفي غالب الاحيان لا يفعل ذلك. انظري إلي عدد المثقفين المرتدين..، لأسباب كثيرة منها الاغراء المادي، قد يدافعون عن غير ذلك”. هكذا يجيب المؤرخ عبد الله العروي على سؤال إعلامي، حول مسؤولية الوضع التي يعيشه المغرب والعالم العربي اليوم.
العروي، مفكر سيؤثر تأثيرا بالغا على الثقافة العربية، منذ أن كتب كتابه المرجعي “الإديولوجيا العربية المعاصرة” سنة 1967، ولم بكن سنه قد تجاوز34 سنة، حيث لاقى انتشارا واسعا، خاصة وأنه قد جاء مباشرة بعد الهزيمة المصرية أمام القوت الإسرائيلية، وما خلقته من نقاشات عميقة مع الذات، أدخل الوعي العربي في أزمة عميقة.
لاحقا، سيكرس العروي كل إنتاجه الفكري لمحاولة الإجابة عن سؤال التقدم وسبل تحقيقه، ما سيجعل النفس الإصلاحي باديا في مجمل كتاباته الأساسية والأدبية أيضا.
العروي مؤرخا
لا يحب العروي كثيرا لفظة “فيلسوف”، فحسب وجهة نظره، الفيلسوف هو:
“باحث يتعامى عن محيطه التاريخي والاجتماعي ليتحد ذهنيا بالمادة التي يدرسها” (مفهوم العقل:18).
لقد كان الوعي التاريخي، مرتفعا جدا عند العروي، طبيعي أن يكون كذلك وهو المهموم بسؤال التقدم، شأنه في ذلك شأن جيله من المفكرين الذين كانوا يحاولون تلمس طرق لإخراج العالم العربي من حالة التخلف التي طالت كثيرا. لكن التميز الوحيد الذي كان عند الفيلسوف الكبير، أنه يدون الواقع بعين المؤرخ، “ينقب على الماضي القريب كي يفهم الماضي البعيد”، ثم يعود ليجيب على أسئلة الحاضر، يقول العروي: “لا تاريخ دون وعي، فإذا كان الوعي فلا مناص من التاريخانية”.
يقوم المنهج التاريخاني كما فهمه العروي، على التنقيب في التاريخ، لاستخلاص القوانين العامة التي تحكم مسيرة البشر، هذه المسيرة التي لا تعرف سوى التقدم في خط مستقيم وثابت.
التاريخ هو مختبر السياسية، هكذا يقول الفيلسوف؛ لا يمكن فهم الوضع السياسي المعاصر، واقتراح البدائل والإصلاحات، دون الغوص في أعماق التاريخ؛ نفهم مصطلحات السياسة المعاصرة بطريقة ملتبسة وغامضة، الدولة، والحرية، وغيرها مصطلحات مشوشة في ذهب المغربي، ينبغي فهم هذه المصطلحات كيف نشأت في ماضينا البعيد، لندرك حجم القصور في إدراك دلالات هذه المصطلحات في الزمن الراهن.
في هذا السياق، جاءت سلسلة المفاهيم، التي ألفها لتكون نواة لمشروعه الإصلاحي الكبير: مفهوم الإديولوجيا 1980م، مفهوم الحرية 1981، مفهوم الدولة 1981، مفهوم التاريخ 1992، مفهوم العقل 1996.
أهميتها ليست خافية على أحد اليوم، يبرر العروي مشروعه بأن:
“وضوح المفاهيم المستعملة لا يوصل بالضرورة إلى إدراك الواقع، لكن على الاقل تخلص الباحث من التساؤلات الزائفة”(مفهوم الحرية:129).
الأسئلة الزائفة عائق كبير أمام الحسم في اختيار طريق واضح نحو التقدم، ضريبة التشوش الفكري إذن كبيرة جدا.
كيف يشخص العروي الحالة المغربية؟
يختزل العروي مشاكل المغرب العويصة، والتي تمنعه من الانخراط في الحداثة، في “الوعي”، و”انعدام الحسم”.
مشكلة الوعي تتمثل في قصورنا الكبير في فهم “التراث”، يقول:
“لا يتمسك بالتراث إلا من لا يعرفه”.
هل العقلية التراثية هي المسؤولة عن التخلف الحاضر؟ حسب العروي، هذا بالضبط ما يعيق المغرب. يقول:
“إذا أردنا اليوم ان نستنير بعقل الماضي.. لا ضرر أن نفعل ذلك في الفلسفة أو الأخلاق الفردية أو الفن، لكن الضرر كبير عندما يتعلق الأمر بالسياسة، بالأخلاق العامة، بالطب…، والضرر ملاحظ.”
يتساءل عن سبب التركيز الدائم في المغرب على الأصالة، والتشبث بها، يقول بأن الأصالة التي تحدثنا عنها ل40 سنة خلت، هي المسؤولة عما نراه اليوم، النتائج نتائجها بالضبط، ترى إلى متى سنواصل الحديث عن هذه الأصالة؟
لا يبدو أن الجواب سيأتي سريعا، إذ إن “انعدام الحسم” يطبع المجال الثقافي والسياسي والحزبي المغربي، يقترح العروي اختيار الحداثة بشجاعة لأنها تعبر عن روح العصر، بكل مافيه من إنجازات اقتصادية واجتماعية وسياسية، المغاربة لا يتجرؤون على الحسم في الاختيار.
هل حققنا شروط الحداثة؟
بتهكم واضح، يتحدث العروي عن الذين أصبحوا يتناولون مفهوم ما بعد الحداثة بالنقد:
” يتكلمون علي ما بعد الحداثة، كما لو أننا كنا قد حققنا الحداثة والآن نعيش ما فوق الحداثة”.
حسب العروي، فنحن مستمرون في طرح الأسئلة الزائفة، لم نحقق الحداثة، ولم نهيئ شروطها، الضرر يطال المستقبل المغربي ككل بهذا التلكؤ في الاختيار.
إذا كان المجتمع غير حداثي، أو ناقماً على حداثة التي فرضت عليه – يضيف العروي-،” فلا مناص من حملة توضيحية. وهي حملة صعبة”، بسبب مناهج التفكير التي لا زلنا نستخدمها إلى الآن، لا نستفيد من دروس التاريخ، ولا نقرأ التجارب المحيطة بنا قراءة صحيحة.
يتحدث العروي، عن الطبقة اللبرالية في المغرب، يعتبر أنها غير قادرة على ترسيخ الفكر الحداثي،
حيث” نشأت الليبرالية العربية في اطار المجابهة بين مجتمع متغلب وآخر يشعر بالضعف والاستغلال. كانت مواجهة، ولكن كان كذلك تلاقح. تكونت جماعة، قليلة العدد، قامت بدور الوسيط المفاوض. ثم انتهى دورها بانتهاء الوضع الاستعماري.لكنها ظلت تحمل سمات الدور الذي قامت به. ظلت ضعيفة اجتماعياً وبالتالي فكرياً، متهمة معزولة في الداخل ومحتقرة في الخارج. الجميع يرميها بانعدام الأصالة”.
ردة المثقف و إكراهات السلطة
“أحمل أغلبية المسؤولية للمثقف الحر الذي له إمكانية الجهر بعقيدته. وفي غالب الاحيان لا يفعل ذلك. انظري إلي عدد المثقفين المرتدين.. لماذا أقول المرتدين: لأنهم يدافعون عن ما يسمونه الفكر الحر او الحداثة إلخ، لكنهم امس وغدا، لأسباب كثيرة منها الاغراء المادي، قد يدافعون عن غير ذلك”،
هكذا يجيب في مقابلة صحفية عن سؤال دور المثقف.
مافتئ الأستاذ العروي يعتبر المثقف رجلا تخلى عن أدواره الأساسية، بسبب إكراه ما، أو اختيارا، أو طمعا في مكاسب سياسية واقتصادية. يحاول أن يجد بعض العذر لرجل السلطة، حيث الإكراهات الداخلية والخارجية، في حين المفكر حر ولا عذر له في الصمت.
في مناسبات عديدة، دافع العروي عن الملكية البرلمانية كمخرج سياسي من شأنه أن يحقق قفزة نوعية لمستقبل المغرب، الملك في نظره هو الضامن لوحدة المغرب واستقراره السياسي.
من جهة أخرى، فإنه يرى المجتمع بطبيعته الحالية، لا زال غير قادر على الانخراط في الحداثة، والانفتاح عليها، مفضلا الأنماط التقليدية، في ظرف كهذا يرى أن الملك مخول أكثر من غيره لفرض التنوير والقيم الحداثية ريثما أصبح المجتمع ناضجا، كلفه هذا الرأي انتقادات واسعة من بعض الصحفيين والمعارضين السياسيين داخل المغرب.
اليوم، يختار الفيلسوف الصمت أكثر من أي وقت مضى، لم يعُد هناك جديدٌ يستدعي أن يقال بخصوصه شيء، قد قيل الكثير، ولم يسمع أحد،
“الأجدى إذاً الانكباب على العمل الفكري. إن لم ينفع اليوم، وهو الأرجح، فقد ينفع غدا. كلما بدأنا نفكر في ما هو مهم ألهانا العارض”.(خواطر الصباح/4ج:111).

عبر عن رأيك

الآن تيفي

المزيد


استفثاء

ما هي نوعية المواضيع االتي تفضلون قرائتها على موقعكم شيشاوة الآن

التصويت انظر النتائج

جاري التحميل ... جاري التحميل ...