*/

الرئيسية > أخبار المغرب

بنكيران حافي القدمين

  • الأربعاء 18 أبريل 2018 - 17:52

زرت الأستاذ عبد الإله بنكيران في بيته. صافحته وعانقته، ثم بادرت لخلع حذائي -أنظر الصورة- فمنعني ورفض بشدة هذا السلوك الذي أعتبره من آداب الزيارة، فلا يصح المشي على زربية موشاة بزخارف جميلة، لأن حذائي قد يكون علقت به بعض الأوساخ، فأقوم بنقلها إلى زربية تبدو بهية كلما حافظت على نظافتها…
لكن سي عبد الإله رفض مبرراتي الثقافية التي بسطتها بين يديه، وأقسم بالأيمان المغلظة ألا أزيل حذائي وأطأ به زربيته، لأنها لم توضع في متحف بعيدة عن الاستعمال، بل هي معروضة لتطأها كل الأقدام من مختلف الأعمار والانتماءات والطبقات…
لم أقتنع بمبررات بنكيران، لأنه جلس حافي القدمين، فسألته: لماذا نهيتني عن خلع حذائي وأنت تخالفه؟
ذهبت لزيارة بنكيران للحديث معه حول المستجدات السياسية، وتذكيره بالماضي حينما كان رئيس حكومة والأمين العام لحزب العدالة والتنمية، لكن الزيارة خصصت للحديث عن إشكالية خلع الحذاء من عدمه. ظننت في بداية اللقاء أن مبرر الإبقاء على الحذاء أو خلعه يتعلق بعلة النظافة، لما جلست وتناولت كعب غزال ورشفت القليل من الشاي المنعنع، اكتشفت أن بنكيران بلور نظرية في فلسفة الأحذية، واستغربت ذلك، أنا جئت لأسأله أسئلة عميقة في السياسية، وهو لا يريد أن يخرج عن موضوع الأحذية.
إن موضوع الأحذية – يا جمال- لا علاقة له بنظافة الحذاء أو اتساخه، هذه نظرة سطحية للموضوع، الأمر أعقد من ذلك، خلع الحذاء يعني أنك أصبحت ابن الدار، وبمعنى أدق، أنك أصبحت متمثلا لقيم الدار.
يطلب مني التركيز أكثر، هذه الدار التي تجلس فيها، هي زواية، أسكن أنا وزوجتي فيها منذ أكثر من ثلاثين سنة، وهذه الدار، هي دار كانت تسمى بدار الأرقم بأبي الأرقم الصحابي الجليل، تسمى بذلك، تشبيها لها بأول منزل فتح في الإسلام للتعليم والتعلم، وهذا المشروع الذي أسسته أنا وآخرون، جعلنا من هذه الدار مركز انطلاقه. في سنة 1985 حينما انتخبني الإخوان رئيسا لجمعية الجماعة الإسلامية، كان الجمع الأول في هذا المنزل…
أول سلوك قام به مؤسسو هذا المشروع، خلع أحذيتهم، لأنهم نظروا إلى هذا المنزل نظرة مقدسة، والمكان الذي تخلع فيه الأحذية هو المسجد، ولذلك، اتفقنا منذ العهد الأول على أن نظل أوفياء لهذا السلوك النبيل، خلع الأحذية من أجل الاجتماع على الكلام الثقيل.
أنت يا جمال في مقام ابني الأكبر، سأصارحك -بفضل الله- نجحنا في الامتحان لأكثر من ثلاثين سنة، ونحن نخلع أحذيتنا لأن كل البيوت التي ندخلها نعتبرها مساجد، إلى أن وصلنا إلى الحكومة، فوقع الانقلاب على القيم الأولى، ولا أخفيك فشلت أحيانا في الالتزام بهذا العهد، لأنني لست ملاكا، بدأت تختلط علي المفاهيم، لأن من اللحظة الأولى رفعنا شعار:”لنجعل بيوتنا قِبلة” أي مساجد، بيوتنا وبيوت غيرنا، لما ذقنا حلاوة السلطة، اعتبرنا البيوت بيوت متعة ونشاط ورفاهية، فتغير سلوكنا، وأصبحنا لا نخلع أحذيتنا…
وبفضل الله عز وجل، أعتبر أن الله أكرمني، فحدث الإعفاء من رئاسة الحكومة ومن الأمانة العامة، هو رسالة إلهية، قرأتها في هذه الآية العظيمة:”إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ۖ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى” سورة طه (12)
جلست أتدبر هذه الآية منذ أن غادرت الأمانة العامة، ومعناها أن الله عز وجل أمر موسى عليه السلام بخلع نعليه تعظيماً منه لذلك المكان “الطوى” الذي سيسمع فيه الكلام الإلهي…
تنهد بنكيران من أعماقه، وكأنه قطب من أقطاب التصوف، ورأيت الدموع في مآقيه، أنظر يا جمال، خلع النعل أمر بسيط، لكنه له قيمة عظمى بحسب الكلام الذي يقال في ذات المكان…
أحمد الله، أنني تبت إليه، ورجعت إلى سالف عهدي، رجعت إلى المشروع الأول، بنكيران حافي القدمين باعتبار تذكره “أن تجعل الأمكنة مقدسة بنشر الكلام المقدس”.
يا أخي جمال، مشكلتنا في تجرتنا الحالية، أن غالبية أبناء هذا المشروع رفضوا العودة إلى “اخلع نعليك” وأصبحوا يتسابقون إلى تنافس في شراء النعال، لأنهم أحبوا اماكن السلطة التي تلزمك بارتداء الأحذية، طلبا لهيبة موهومة…
جهات في الدولة، أصبحت توزع الأحذية مجانا على أبناء البجيدي ففرح الكثيرون، وبرروا ذلك بالواقعية، هل تريدوننا يا شعب أن نمشي حفاة؟!
هل تعرف أنني لو ظهرت حافي القدمين في صورة سأخلق جدلا كبيرا؟!
لأن هذا السلوك يحكي قصة أربعين سنة…
ومن حسن لطف وذكاء بنكيران، ختم قائلا:
لا تقلق مني يا جمال، أنت ضيف ولست ابن الدار، وكل الضيوف أجبرهم على عدم خلع أحذيتهم، إكراما مني لهم.

عبر عن رأيك

الآن تيفي

المزيد


استفثاء

ما هي نوعية المواضيع االتي تفضلون قرائتها على موقعكم شيشاوة الآن

التصويت انظر النتائج

جاري التحميل ... جاري التحميل ...