الباحث أقديم يكتب..”نتائج الباكالوريا بين التضخّم في النقط وتفوق الإناث”

* محمد اقديم
منذ انطلاق الجيل الثاني من الاصلاحات التي همّت منظومة التربية والتكوين بالمغرب في بداية الألفية الثالثة(الميثاق الوطني للتربية والتكوين 1999- 2009 – البرنامج الاستعجالي 2009-2012 – الرؤية الاستراتيجية 2015-2030)، عرفت المدرسية المغربية تحولا كبير في معظم المؤشرات، وعلى صعيد العديد من المستويات، ولعلّ أهمها:
– على المستوى الكيفي: المقاربات البيداغوجية الجديدة المُعتَمدة في التدريس والتقويم.
– على المستوى الكمّي: حيث كان لتعميم الابتدائي والاعدادي وبرامج محاربة الهدر المدرسي انعكاس ايجابي على تطوّر ونموّ الديموغرافيا المدرسية عامّة وعلى الإناث خصوصا.
في هذا السّيّاق صار التضخّم في معدّلات النجاح المدرسي مثيرا لأنظار المتبعين والمراقبين المهتمين بالشأن التربوي ولكافة المواطنين، كما أضحى التفوّق الدرّاسي التي تحقّقه الإناث بالمقارنة مع الذكور في نتائج الامتحانات الإشهادية مثار نقاش وجدال في المجتمع وفي العالم الافتراضي، على منصّات التواصل الاجتماعي. هذا ما سنعمل على المساهمة في تحليله وفهمه وفي محاولة تفسيره.
التضخم الكبير في معدلات نتائج الامتحانات:
لماذا هذا التضخم الكبير في معدلات نتائج الامتحانات، الذي يلاحظ مؤخرا، خاصة عند الإعلان عن نتائج البكالوريا ؟
حيث تتجاوز بعض النقط سقف 19\20 ، حتى في المواد الأدبية والعلوم الانسانية، حيث من الصعب تحديد مدى تدخل الذات في الموضوع، وهذا ما كان غير معهود ولا معتاد الى وقت قريب(التسعينيات الماضية)، حيث لا تتجاوز أكبر المعدلات سقف 16\20 … سؤال يطرحه الكثيرون.
إن هذا الأمر مرتبط بالتحول الذي حدث في أنماط التقويم من نمط كيفي إلى نمط كمي.، فنمط التقويم المعتمد حاليا في مختلف الامتحانات ومباريات الولوج الى المؤسسات الجامعية والمعاهد والمدارس العليا هو نمط كمي(quantitatif) موضوعي متأثر كثيرا بمخرجات علم الإحصاء الوصفي(Statistique descriptive)، حيث يتم تحويل رياضيا المتغيرات الكيفية الى متغيرات كمية، فيتم وضع مقاييس (barèmes) دقيقة للأجوبة عن الأسئلة، مقاييس لا تترك للمصحح أي فرصة ليقحم ذاتيته في تقييم الأجوبة( النموذج الكندي). فطرق وضع أسئلة الامتحانات، وأساليب صياغة الروائز، على شكل أسئلة مغلقة لا تحتمل سوى أجوبة دقيقة، أساليب قريبة الى حدما من طرق إعداد أسئلة الاستمارات الإحصائية، التي تسعى إلى استطلاع الرأي العام، وفي أحسن الأحوال الى سلاليم مقاييس الذكاء، وامتحانات تختبر التلميذ(ة) في المضامين والمحتويات(المعارف)، وليس في الكفايات والقدرات والأداءات والمهارات، رغم ما تتبجح به المناهج والمقررات من كونها تقوم على التدريس بالكفايات والأداءات، في تناقض صارخ بين تدريس يقوم على الكفايات والأداءات، وبين تقويم يختبر المضامين والمحتويات.
في حين كان في التقويم سابقا(الى غاية التسعينيات الماضية) نمطا كيفيا( qualitatif) ذاتيا مرتبطا بالسلطة التقديرية للمصحح بالدرجة الأولى، المتأثرة بدورها بالرصيد المعرفي للمصحح، لكي لا نقول توجهه الايديولوجي.
وإذا كان هذا النمط الكمي عاديا ومناسبا لتقويم المواد العلمية( العلوم الحقة)، وكان في السابق يقتصر عليها فقط، فكان مفهوما ومنطقيا أن تترواح النقط في امتحانات هذه المواد ما بين النقصة 0 والنقطة 20، فإنه قد صار حاليا يطبق كذلك على المواد الأدبية والعلوم الانسانية، التي كانت النقط سابقا تتراوح فيها، وفق النمط الكيفي للتقويم ما بين النقطة 5 و النقطة 16، فصارت بدورها تتراوح ما بين النقطة 0 والنقطة 20.
تفوّق الإناث في النتائج الدراسية:
تفوّق الإناث(التلميذات) في النتائج الدراسية على الذكور(التلاميذ)، كما ظهر في نتائج البكالوريا خلال المواسم الأخيرة(نسبة نجاح الاناث 70.8% ، نسبة نجاح الذكور 61 %خلال هذا الموسم 2021/2022)، وكذلك تفوقهن في باقي المستويات الدراسية، كما يمكن أن يرصد أي متتبع للشأن التربوي، ليس لقدرات ذهنية فائقة أو مهارات دراسية يتميز بها الجنس اللطيف على الذكور، كما ليس بمعجزة ولا شيء غير قابل للفهم، بقدرما يعكس ذلك درجة متقدمة من التحوّل العميق الذي يعيشه المجتمع المغربي برمته. تَحوُّل من مظاهره افساح المجال قانونيا أمام المرأة تدريجيا لتنال حقوقها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية في كل مجالات الحياة تقريبا، في الوقت الذي لازال ركام من التقاليد والأعراف والعوائد والذهنيات تكبّل ولوج المرأة إلى الكثير من الفضاءات العمومية، وتمنعها من الخروج إليها في حيّزات زمنية معينة. حيث لازال طبع( habitus) التقسيم الجنسي للزمان والمكان متحكّما في ذهنية معظم المغاربة( ذكورا وإناثا) ومؤطِرا لسلوك أغلبيتهم. فالفضاءات المكانية التي ترتادها المرأة لازالت ضيقة، والحيّزات الزمنية التي تلج فيها إليها لازالت محدودة، في تمييز واضح بين الجنسين يمكن أن يلاحظ أي متتبع ومراقب، تمييز لا يمكن الحكم عليه لا بالسلب ولا الايجاب، لان مظاهره قد يراها البعض سلبية ونتائجه قد يفسرها البعض بكونها إيجابية، وإن كان ذلك التمييز غير مُلفِت لأنها صار معتادا(habitus)، ولذلك لا يطرح أي إشكال في الوقت الراهن.
التمييز (السلبي) ضد الاناث هو الذي انعكس إيجابا على نتائجهن الدراسية، فإقصائهن من ارتياد الكثير من الفضاءات وحرمانهن من الخروج في العديد من الأوقات، هو الذي وفّر لهن غلافا زمانيا مهمّا استثمرته الكثير منهن في الانكباب على الدرس والتحصيل(المطالعة – المراجعة – المذاكرة – الحفظ- التمارين – التداريب)، وبالمقابل لم يجد الكثير من الذكور من أقرانهن من الوقت ما يكفي لإنجاز واجباتهم الدراسية المنزلية(تمارين ومطالعة وحفظ ..)، بسبب انشغالاتهم في الخروج الى الفضاءات العمومية(المقاهي – الحدائق – الملاعب – الشارع ..) للتسلية واللعب والرياضة. ويوم سينتهي هذا التمييز (السلبي) ضد الاناث، وتتغير هذه العوائد والقيود المكبّلة لهن والطبائع( habitus)، ويُفتحُ لهن المجال أمامهن لارتياد كل الفضاءات في كل الاوقات، ويملئن أوقاتهن بما ملأها أقرانهن الذكور ستصير نتائجهن الدراسية الاناث مثل نتائج الذكور.
فالمقاربات الجديدة المعتمدة في التّدريس والتقويم هي التي كانت خلف تضخّم النتائج الدراسية. و”ذكورية” المجتمع أو “أبوّيته”، التي كثيرا ما كانت مُستهدفة بالنقد اللاذع من طرف الحركات النسوانية والمقاربات السوسيولوجية( الجندرية)، هي التي وفرّت للإناث فرصا مهمّة للاستعداد والإعداد للامتحانات، وبالتالي تحقيق التفوّق الدراسي على أقرانهن من الذكور.
محمد أقديم: باحث مهتم بقضايا التربية ومستشار في التخطيط التربوي.
اقرا أيضا
الأغلبية المعارضة في مجلس مجاط تسقط “برمجة الفائض” الذي أعده الرئيس ومكتبه
عامل شيشاوة يعطي تعليماته الصارمة لتعزيز دور المراقبة والحد من ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاستهلاكية
فريق نهضة شيشاوة يدك شباك الشياظمة بسداسية نظيفة ويواصل صدارة المجموعة
انتخاب البرلماني عوض العمارة عضوا في المكتب السياسي للحركة الشعبية وناصح ونازه عضوين في المجلس الوطني
عاجل.. سرقة أسلاك نحاسية لشركة اتصالات يستنفر درك مجاط
المجلس الجماعي لأسيف المال يصادق على برنامج عمله 2022-2027 في دورة فبراير والمعارضة تنسحب من اشغالها
التويزي رئيس فريق “البام” بمجلس النواب: المهاجري ابن الحزب ولن نفرط فيه
مؤسسة محمد الخامس للتضامن تشرع في إيصال المساعدات للساكنة القروية باقليم شيشاوة
منعش سياحي بالمزوضية يتهم عون سلطة بتحريض شهود زور ضده في ملف معروض أمام القضاء
- أخبار المغرب
- رياضة
- منوعة
-
بعد التلويح بمعاقبة الأساتذة المقاطعين.. نسبة إدخال النقط في “مسار” تسجل تحسنا طفيفا
-
وسيلة إعلام مقربة من ماكرون توقف مذيعا بسبب استعماله عبارة “الصحراء المغربية” في تقاريره
-
الدكتور بنطلحة يكتب: عندما يصير مستقبل بلد بيد مقامريه
-
حكيم زياش رسميا إلى باريس سان جرمان.. وبوفال من أنجيه إلى الريان القطري
-
سنة حبسا موقوف التنفيذ في حق 10 من أساتذة التعاقد
-
عاجل.. شرطة الرباط تهتدي لقاتل حارس ليلي.. وسبب الجريمة “خلافٌ قديم”
-
فريق نهضة شيشاوة يدك شباك الشياظمة بسداسية نظيفة ويواصل صدارة المجموعة
-
حكيم زياش رسميا إلى باريس سان جرمان.. وبوفال من أنجيه إلى الريان القطري
-
زعدود مدرب نهضة شيشاوة ينتزع الانتصار الثاني على التوالي في بطولة القسم الشرفي الأول
-
النهضة الرياضية لكرة القدم تنتزع فوزا ثمينا من شباب سيدي المختار في عقر داره
-
القناة الأولى ترصد وضعية ملاعب القرب بشيشاوة.. والأطر الرياضية تطالب بعناية المشاتل الكروية
-
وفاة أسطورة كرة القدم البرازيلي بيليه
-
الدكتور لكريني من مراكش: “الرياضة قوة ناعمة بمقدورها مواصلة تلطيف الأجواء الديبلوماسية بين الشعوب المغاربية رغم بعض التوظيفات المعزولة”8
-
وفاة أسطورة كرة القدم البرازيلي بيليه8
-
بعد 12 عاما.. إطلالة الشيخة موزا تثير الاهتمام8
-
جبل طارق: “ساعات حاسمة” من العمل للحيلولة دون وقوع أزمة بيئية بعد اصطدام سفينة بناقلة غاز8
-
دراسة: تعاطي الماريخوانا والعقاقير المهلوسة بلغ مستوى قياسيا بين اليافعين عام 20218
-
السعودية تجيز زواج المعتوه بـ 3 شروط8