*/

الرئيسية > أخبار المغرب

قلالش الحكم متى تصمد في وجه دولة المؤسسات

  • السبت 14 مايو 2016 - 08:34

توفيق بوعشرين
في لقائه بقيادات حزب الحركة الشعبية أخيرا، تذكر رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، حكاية رواها له السفير المغربي السابق في بريطانيا، بنعبد الجليل، تقول: «إن السفير المغربي طلب شيئا من الملك الراحل الحسن الثاني، رحمه الله، فأحاله هذا الأخير على وزير الداخلية، إدريس البصري آنذاك، فعبر بنعبد الجليل عن عدم رغبته في التوجه إلى البصري بأي طلب، لأنه لم يكن يستسيغ ذلك، فما كان من الحسن الثاني إلا أن قال لسفيره: ‘‘الذي يحب الولي سيدي علي بوغالب، يحبه بكل طقوسه، ومنها القلالش’’، فرد السفير المغربي على الملك بالقول: ‘‘يا جلالة الملك، سيدي علي بوغالب في مكانه، لكن كل قلوش يبقى في مكانه’’… تعبيرا من السفير عن الفصل بين مكانة الملك التي لا تضاهيها مكانة محيطه أو أعوانه».
قلالش سيدي علي بوغالب أصبح مثلا يتردد على الألسن، كناية عن حالة الاضطرار التي يكون فيها المرء مطالبا بقبول شخص بكل من معه وبكل ما يحيط به. الإنجليز لهم مثل قريب من هذا يقول: «Love me love my dog» (من أحبني أحب كلبي).
ما هي أسباب نزول هذه الحكاية من ذاكرة رئيس الحكومة في هذه الظروف؟ المناسبة هي حديث بنكيران عن علاقته بالقصر، حيث قال، قبل رواية قصة القلالش، للعنصر وجماعته: «إن الذين يخططون من وراء حجاب للرجوع بالمغرب إلى التحكم، وإلى نموذج بنعلي البائد مخطئون.. نحن لا نعرف في المغرب إلا سيدنا محمد السادس». بعد هذه الجملة، التي تحمل رسالة غير ودية إلى من يعتبرهم بنكيران منظرين للتحكم، أورد حكاية قلالش سيدي علي بوغالب.
بنكيران، إذن، يحاول أن يغير بعض معالم ثقافة المخزن القديمة التي كانت تجعل من أعوان السلطان ومحيطه وحتى خدمه جزءا من «الحضرة المولوية»، في محاولة لإضفاء صبغة الحصانة على كل من يشتغل مع الملك، ومحاولة تصوير أي نقد لهذا المحيط، أو اعتراض على عمل هؤلاء الأعوان، وكأنه نقد للجالس على العرش، وتمرد على السيد، ورسالة إلى المخزن باعتبار أن المستشارين والمعاونين والخدام والحرس والمكلفين بمهمة والقريبين من دائرة الحكم أدوات منفذة للإرادة الملكية، وأن أحدا لا يتصرف من تلقاء نفسه، وأن جميع من في القصر حبات رمل في الساعة الملكية، ينزلون وفق نظام مضبوط، ويصعدون وفق نظام دقيق! وهذا طبعا من الخوارق التي لا تنطبق إلا على الملائكة الذين يحيطون بعرش الرحمان، وليس على البشر الذين يشتغلون مع بشر.
أول جملة قالها الحسن الثاني، في أول ندوة عقدها بعد انقلاب الطائرة في 1972 وإعدام الجنرال أوفقير بلا محاكمة ولا قاض ولا تحقيق، قال الملك المخدوع في يده اليمنى: «أعترف بأنني أخطأت عندما وضعت ثقتي الكاملة في شخص مثل أوفقير، من هنا فصاعدا لن أثق حتى في الوسادة التي أضع رأسي عليها»، لكن، للأسف، رجع الملك الحسن الثاني وسلم ثقته لآخرين لم يكونوا دائما أوفياء في تنفيذ تعليمات سيدهم وسياساته واختياراته، بل تدخلوا، بهذا القدر أو ذاك، في توجيه القرار الملكي إلى الجهة التي تروقهم، أو تخدمهم، أو تنتصر لهم، أو تنتقم لهم من خصومهم، أو تبقيهم في مكانهم إلى يوم الرحيل… هؤلاء بشر في النهاية، وليسوا أزرارا في كمبيوتر، وبيت الحكم الفردي معقد رغم البساطة التي يظهر بها من الخارج، ففرد واحد لا يمكن أن يكون عالما ببواطن كل شيء في الدولة، خبيرا في الشؤون الأمنية والسياسية والدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والدينية والثقافية والإدارية… لا بد لكل واحد يحكم لوحده أن يفوض جزءا كبيرا من اختصاصاته إلى آخرين، والسؤال هو: إلى من سيفوض هذه الغابة من السلط والقرارات؟ هل يضع القرار العمومي بيد من اختارهم الشعب أم بيد من اختارهم هو ليحكموا الشعب؟ الديمقراطية حلت جزءا كبيرا من هذا الإشكال، الذي واجه كل ملوك وأباطرة وأمراء العالم، بأن وزعت السلطة بين المؤسسات، وجعلت كل سلطة تراقب الأخرى، ووضعت قانونا لسير القرار العمومي، هو الدستور، وألزمت الجميع باحترامه.
دستور 2011 حسم هذا السؤال، وأقام، لأول مرة في تاريخ المغرب، مؤسسات للحكم الفعلي وليس الصوري -أتحدث هنا عن النص الدستوري وليس الممارسة الواقعية- هذا الدستور كان تعاقدا ضمنيا بين الملك والشباب الذين خرجوا يتظاهرون في الشوارع يوم 20 فبراير طلبا للإصلاح العميق للدولة، وتأهيلها لدخول نادي الديمقراطيات الحديثة، حتى يخرج المغرب من حكم الأفراد إلى حكم المؤسسات، ومن سلطة المزاج إلى سلطة القانون، والجالس على العرش اليوم قبل بهذا الدستور، ولم يعرضه على الاستفتاء الشعبي حتى نال رضاه، وكان استثناء وسط ملوك العرب ورؤسائهم الذين غرقوا في مشاكل إدارة الحكم في بلدان تمور بالاضطرابات والثورات وصيحات ‘‘ارحل’’، لهذا وجبت حماية هذا الدستور لأنه هو العقد الجديد الذي يوثق ويحفظ مكتسبات الربيع المغربي بعيدا عن ثقافة «لقلالش»، وطقوس الأولياء الذين لا يتصورون أتباعهم سوى مريدين لا مواطنين.

عبر عن رأيك

الآن تيفي

المزيد


استفثاء

ما هي نوعية المواضيع االتي تفضلون قرائتها على موقعكم شيشاوة الآن

التصويت انظر النتائج

جاري التحميل ... جاري التحميل ...