بوعشرين…خدام الدولة الحقيقيون
توفيق بوعشرين
«متر من البونج بـ600 درهم، ومتر من الأرض في طريق زعير بـ350 درهما.. فهم التسطا»، هكذا علق أحد الفايسبوكيين على صفقة خدام الدولة الذين نشرت الصحافة أسماءهم وصورهم، ولم يملك أحد منهم جرأة الخروج إلى الرأي العام، وطلب الصفح والاعتذار، أو تفسير حكاية الأرض التي تباع فقط لكبار المسؤولين في الدولة دون معايير موضوعية، ودون مزاد علني، ودون تعفف عن خلط البزنس بموقع المسؤولية.
قبل أشهر أعلنت قنصلية فرنسا في الرباط اعتزامها بيع القطعة الأرضية الموجودة في «ديور الجامع»، وفتحت الباب لجميع من يهتم بهذا العقار في المغرب وفرنسا، ووضعت حدا أدنى لانطلاق المزاد، وبعد إعلان كافٍ حتى يمر البيع في شفافية كاملة، وتحصل الدولة الفرنسية على أكبر ثمن ممكن، ولم يلجأ وزير خارجية فرنسا ولا وزير ماليتها إلى البيع تحت الطاولة لأحد المحظوظين من الوزراء أو المديرين أو خدام الدولة الفرنسية، فلماذا لا يتعلم خريجو مدرسة الطرق والقناطر من أمهم فرنسا مثل هذه الثقافة؟ ولماذا لا يقلدون باريس في الحرص على المال العام، ومحاسبة الكبير قبل الصغير إذا اقترب من مال الشعب؟ لماذا يقلد المسؤولون عندنا الأم فرنسا في كل شيء، لكن، عندما يتعلق الأمر بالحكامة والحذر من تضارب المصالح، والابتعاد عن الاغتناء غير المشروع، يتحولون إلى كائنات جشعة تخلط بين الثروة والسلطة، وترى في الملك العام غنيمة حرب وجب الفوز بها.
الذين مدوا أيديهم إلى الملك العمومي للدولة، وأخذوا آلاف الأمتار من الأرض بثمن بخس، هؤلاء ليسوا خدام الدولة، هؤلاء عبيد الدرهم. خدام الدولة الحقيقيون هم الجنود الذين يحرسون الحدود ليل نهار في رمال الصحراء الحارقة، ويرجعون بعد عقود من الخدمة العسكرية للسكن في منازل اقتصادية يعلقون في جدرانها علم المغرب وخريطته، ويعلمون أبناءهم «منبت الأحرار مشرق الأنوار».
الذين طمعوا في أرض الدولة، وحملوا عائلاتهم إلى فيلات فسيحة في طريق زعير دون أن يؤدوا ثمن أرضها، ليسوا خدام الدولة، هؤلاء خدام السلطة، أما خدام الدولة فهم الموظفون والأساتذة والمعلمون الذين يقطعون عشرات الكيلومترات لتدريس أبناء الوطن في البرد والحر.. هم الذين يفنون زهرة عمرهم أمام السبورة يمحون الجهل ويفتحون عقول الصغار والكبار على نور العلم، ثم يتقاعدون في بيوت الكراء وألسنتهم تلهج بالدعاء للوطن بالاستقرار والأمن والأمان، مع أنهم لا يملكون طوبا فوقه، ولا ثروة في أبناكه، ولا أراضي في محافظاته العقارية.
الذين اجتمعوا في دولة الكيلومتر 9 ليسوا خدام الدولة، هؤلاء خدام مطامعهم الخاصة وأحلامهم الصغيرة، وخوفهم المرضي من الفقر والحاجة، أما خدام الدولة الحقيقيون فهم دافعو الضرائب، والمقاولون الصغار والكبار الذين يملكون شجاعة الاستثمار في بلاد بدون قانون ولا قضاء ولا حماية، ومع ذلك يزرعون مقاولات صغيرة وكبيرة، ومصانع وشركات ومشاريع تشغل الناس، وتنتج الثروة، وتوفر دخلا ضريبيا للدولة. هؤلاء هم خدام الدولة الحقيقيون الذين لم يختاروا الاستثمار في الخارج، ولا فتح حسابات في الجنات الضريبية بالعملة الصعبة.
الذين نودي عليهم ليحوزوا 4000 متر مربع من أرض الدولة، مقابل ولائهم أو سكوتهم أو تواطئهم، هؤلاء ليسوا خدام الدولة، هذا لقب أكبر منهم.. هؤلاء «شناقة»، إذا أرضعتهم الدولة سكتوا، وإن فطمتهم احتجوا. خدام الدولة الحقيقيون هم الملايين الخمسة المنتشرون في أركان العالم الأربعة، يكدون ويعملون ويعرقون، وفي نهاية الشهر يحولون جزءا من راتبهم بالعملة الصعبة إلى بلادهم، وفي الصيف يكدسون عائلاتهم في السيارات، ويقصدون المغرب لصلة الرحم مع البلاد والاستثمار فيها، وشراء أرض أو منزل بثمن السوق وليس بثمن «البونج».
الذين سجلوا أرض الدولة بأسماء أبنائهم وزوجاتهم في نادي الريع في طريق زعير، وفي طرقات أخرى على امتداد أرض الوطن، ليسوا خدام الدولة.. هؤلاء خدام المخزن الذي يقايض ولاءهم بالدرهم، وخدمتهم بالريع، وطاعتهم بالامتيازات، ولا يثق فيهم حتى يملؤوا بطونهم بـ«العجين»، أما خدام الدولة الحقيقيون فهم فقراء هذا الوطن المحرومون من أبسط حقوقهم، والمنسيون من رحمة الدولة، ومع ذلك يرفعون أكف الدعاء في كل صلاة إلى الله أن يحفظ وطنهم وملكهم، وأن يريهم في بلادهم ما يسر الصديق وما يغيظ العدو.
في أوروبا القرون الوسطى، كان الأغنياء يبذلون المال للوصول إلى السلطة، لكن في عالمنا العربي والإسلامي كانت الآية مقلوبة.. كان الجاه هو الطريق إلى المال، فحسب تعريف ابن خلدون فإن المال ليس هو الطريق إلى السلطة، بل السلطة هي الطريق إلى المال، فكيف يكتسب هذا الجاه وهذه السلطة المؤدية إلى المال؟ يجيب ابن خلدون بلا تردد: «مصدر الجاه يكون بالخضوع والتملق لذوي السلطان، ذلك أن الجاه يبذله من هو فوق لمن هو تحت، فيكون بذله بيد عالية وعزة، فيحتاج طالبه ومبتغيه إلى خضوع وتملق». ويلاحظ ابن خلدون في مقدمته أن هذا الخلُق (خلق التملق) يحدث في الدول اضطرابا في المراتب، ذلك أن «كثيرا من السوقة يسعى إلى التقرب من السلطان بنصحه، ويتزلف إليه بوجوه خدمته، ويستعين على ذلك بعظيم من الخضوع والتملق له ولحاشيته وأهل نسبه، حتى يرسخ قدمه معهم، ويضمه السلطان في جملته، فيحصل له بذلك حظ عظيم من السعادة، وينتظم في عدد أهل الدولة»، أي خدام الدولة بتعبير بيان حصاد وبوسعيد، فما أشبه اليوم بالأمس.
اقرا أيضا
تعزية.. الأساتذة والإداريون بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بآسفي يعزون في وفاة زوجة الدكتور حسن المودن
عاجل.. احتراق كلي لسيارة خاصة في الطريق السيار بمجاط يستنفر الدرك الملكي
تنسيقيات التعليم تعود للاحتجاج بسبب عدم حل مشكلة الموقوفين
التعليم في أوقات الأزمات موضوع ندوة وطنية للجمعية المغربية لأساتذة اللغة الانجليزية بشيشاوة
برئاسة الكراب عامل شيشاوة.. اللجنة الاقليمية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية تصادق على تمويل 105 مشروعا بتكلفة 53 مليون درهم
مصرع فلاح في عمق بئر بدوار البيرات بجماعة المزوضية
استعدادا للمؤتمر العام الثامن عشر.. حزب الاستقلال يعقد مؤتمره الإقليمي بشيشاوة
افتتاح مركز النصر لتصفية الدم بشيشاوة
المنطقة الاقليمية للأمن بشيشاوة تشارك في فعاليات الملتقى الاقليمي الرابع للتوجيه المدرسي والمهني والجامعي
- أخبار المغرب
- رياضة
- منوعة
- المغرب يجدد لاءاته الثلاث في وجه ديميستورا للتوصل إلى حل سياسي لملف الصحراء
- أخنوش يمثل الملك محمد السادس في حفل تنصيب الرئيس السينغالي الجديد
- عقود كراء وهمية تتسلل إلى تمويل مشاريع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية
- سوء الأحوال الجوية يوقف الدراسة في مدارس بالحسيمة وتطوان وشفشاون
- بنطلحة يقارب تكلفة السلام وحيثيات “سيناريو الحرب العالمية الثالثة”
- انتخاب عطيفي كاتبا محليا للنقابة الوطنية للتعليم العالي بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بآسفي
- انتخاب حسن لحلو رئيسا لجمعية التنمية الرياضية بإقليم شيشاوة
- الجامعة الملكية المغربية للرياضات الوثيرية والأساليب المماثلة تنتظم تدريبا وطنيا لفائدة العشرات من النساء والحاجي تشيد بالتنظيم النوعي للدورة
- نجاح متميز لفعاليات الدوري الممتاز للكرة الحديدية بشيشاوة بحضور عامل الإقليم
- المناداة رسميا على الشيشاوي الناضي ضمن تركيبة المنتخب الوطني لأقل من 15 سنة لكرة القدم
- تحركات حثيثة للعثور على بديل للناصيري رئيسا لمجلس عمالة الدار البيضاء
- الركراكي : أسود الأطلس يطمحون للوصول للمربع الذهبي للكان
- المغرب ضمن أفضل الوجهات خلال 20248
- 2.6 مليون مصلّ ومُعتمر بالمسجد الحرام ليلة 27 رمضان8
- الوقاية من حوادث السير وتمليك ثقافة الاستعمال السليم للفضاء الطرقي محور ورشة تحسيسية احتضنتها ثانوية الإمام البخاري التأهيلية بشيشاوة8
- هل تحركت الأرض في تركيا 3 أمتار للغرب بعد الزلزال؟8
- فأر صغير يحظى بلقب كبير ويدخل غينيس!8
- الدكتور لكريني من مراكش: “الرياضة قوة ناعمة بمقدورها مواصلة تلطيف الأجواء الديبلوماسية بين الشعوب المغاربية رغم بعض التوظيفات المعزولة”8