*/

الرئيسية > أخبار المغرب

خطاب 9 مارس..وُلد من مخاض 20 فبراير وحظي بتفاعل ملكي

  • الأحد 10 مارس 2019 - 22:01

قليلة هي الخطابات الملكية الرسمية التي أُلقيت في مناسبات استثنائية، أي خارج لائحة المناسبات الوطنية الرسمية التي تشهد إلقاء خطب يتربّع خطاب العرش على رأس قائمتها من حيث الأهمية والرمزية السياسية. وإلى جانب الخطاب الملكي الاستثنائي الذي ألقاه الملك محمد السادس بعد فاجعة الأحداث الإرهابية الدامية التي وقعت في مدينة الدار البيضاء يوم 16 ماي 2003، فإن أبرز وأهم هذه الخطب على الإطلاق، هو خطاب 9 مارس 2011. هذه الوثيقة المصطبغة بلون الوعد الملكي، كانت أهم ما عرفه المغرب في سنة الثورات العربية الشهيرة باسم الربيع العربي.
لحظتها حبس المغاربة أنفاسهم وعجّلوا بقضاء أغراضهم اليومية ودخلوا بيوتهم للاستماع إلى ما سيقوله الملك في لحظة تأكد فيها أن موجة الخروج الشعبي التي انطلقت من تونس متم 2010، دخلت التراب المغربي بما لا يدع مجالا للتردد أو الترقب. لم يخيّب الخطاب الملكي انتظارات المراقبين، وجاء بالفعل حاملا لعرض سياسي شامل يكاد مفهوم الملكية البرلمانية يقفز من بين سطوره. مشروع “تونسة” المغرب الذي كان يطرق أبواب المغرب بقوة لحظة اندلاع الربيع العربي، دُفن رسميا في خطاب 9 مارس الملكي، وولد في اللحظة نفسها حلم كبير بديمقراطية حقيقية تخرج من صلب لحظة التحام جديدة بين الملك والشعب.
خطاب 9 مارس 2011 عاد هذا الأسبوع إلى الواجهة من خلال البيان الرسمي الصادر عن هيئة رؤساء أحزاب الأغلبية الحكومية، عقب اجتماعها يوم الأربعاء الأخير. البيان المشترك بين أحزاب حكومة العثماني، قال إن هذه الأخيرة تؤكد اعتزازها “بالمسار الإصلاحي الذي دشنه الخطاب الملكي السامي لـ 9 مارس 2011، وباعتماد بلادنا لدستور جديد متقدم، مما أطلق حزمة من الإصلاحات الاستراتيجية التي تنعم بها بلادنا إلى اليوم، كما تعبر عن انخراطها إلى جانب باقي القوى السياسية والحية في المجتمع لدعم هذا النفس الإصلاحي تحت قيادة جلالة الملك حفظه الله”.
من مخاض 20 فبراير وُلد
بداية الحكاية كانت ذات خميس 17 فبراير 2011، حين سادت أجواء حماسية داخل مقرّ الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بحي “ديور الجامع” بالرباط، حيث نظّم مجموعة من الشبان ندوة صحافية رفقة المنظمات الحقوقية التي تدعمهم. لحظتها كانت أذرع السلطة الترابية والأمنية تتحرّك في جميع الاتجاهات، وزير الداخلية الطيب الشرقاوي يستدعي زعماء الأحزاب السياسية، والوزير الأول، عباس الفاسي يستدعيهم إلى بيته، وموضوع واحد في جدول الأعمال: دراسة كلّ ما يمكن أن يؤدي إلى التهدئة ونزع أقصى ما يمكن من أعواد الحطب كلما اقتربت النار.
عشية اليوم الموعود، أي يوم السبت 19 فبراير 2011، تلقت كل من الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، والمنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف، دعوة إلى مجالسة وزير الداخلية السابق مولاي الطيّب الشرقاوي. “درسنا مع الوزير كيفية تأطير المسيرات المُرتقبة، وقلنا له إن نزولنا إلى الشارع هو لتأطير الشباب والقيام بدور المراقبة”، يقول مصدر حضر ذلك الاجتماع. لكن، وما كادت ساعات قليلة تمرّ من يوم السبت، حتى فجّرت وكالة المغرب العربي للأنباء قنبلة الإعلان عن إلغاء المسيرات المبرمجة، مما اعتبر “انقلابا” راحت وسائل الإعلام العمومي تبثّ “بيانه الأول”، معزّزة إياه بتصريحات أحد الذين تزعموا الدعوة. أسلوب أثار سخط العديد من متتبعي القناتين الذين اعتبروا بأن الإعلام الوطني يستخف بعقول المشاهدين، علما أن التعبئة للمسيرات كانت تتم في قناة أخرى، هي الفيسبوك.
لم تطلع شمس الأحد 20 فبراير 2011 على مدينة الرباط، لأن الجو كان غائما، بل ماطرا. وفي ساحة باب الأحد، المكان الذي حدّده شباب 20 فبراير لانطلاق المسيرة، كانت صنوف الأجهزة الأمنية منتشرة منذ الساعات الأولى للصباح. سيارات قوات التدخل السريع بحثت لها عن موقع قريب ومتوار عن الأنظار، عناصر الشرطة الدراجون راحوا يجوبون الساحة كما لو يحفظون تضاريسها، وكاميرات خاصة كانت تُنصب فوق الأسطح المجاورة لرصد كل كبيرة وصغيرة.
بنفس إيقاع قطرات المطر الخفيف، كان المشاركون في المسيرة الأولى يصلون إلى نقطة الانطلاق. يساريون وإسلاميون، ملتحون ومتحرّرات، شيوخ وصغار، وقفوا جميعا في ساحة باب الأحد في قلب العاصمة الرباط، صبيحة ذلك الأحد، خلف لافتة واحدة وردّدوا بصوت واحد: “الشعب يريد إسقاط الاستبداد”، و”الشعب يريد دستورا جديدا”، فيما جمع البعض بين ترديد الشعارات ورفع لافتات صغيرة كُتب عليها: “لا للجمع بين السلطة والثورة”، و”الملكية البرلمانية سبيلنا نحو الديمقراطية”.
كان صدى الثورات التي عرفتها المنطقة العربية يتردّد عبر حناجر المتظاهرين الذين خرجوا في الرباط، خاصة عندما بدأت بعض بوادر الانقسام، بتشكيل مجموعتين، إحداهما يسارية والثانية إسلامية، فكانت أبواق اليساريين سبّاقة إلى استحضار القضية الفلسطينية، وترديد شعارات مستلهمة من ثورة “الفل” المصرية، من قبيل “هوما ياكلو لحم وفراخ.. وحنا الفول دوّخنا وداخ”، و”هوما مين هوما مين.. طماعا ومضاربين.. أمراء وسلاطين.. وحنا مين حنا مين.. فقراء ومناضلين…”. وبين الفينة والأخرى، كان المتظاهرون يتذكّرون المجازر التي يرتكبها العقيد معمّر القذافي في ليبيا، فيردّدون: “القذافي.. أساسان (مجرم)”، و”تحية مغربية للجماهير الليبية”. ومن تونس، نقل المتظاهرون رسالة من البوعزيزي، بقولهم: “البوعزيزي صيفط ميساج.. من ثورة تونس قرطاج.. الثورة للطغاة هي العلاج…”.
تجاوب ملكي سريع
بعيد هذا التاريخ، أصبح مؤشّر الاستنفار يرتفع كلّما اقتربت نهاية الأسبوع. فما وقع يوم 20 فبراير كشف عن خصاص مهول في الإمكانيات البشرية لدى الأجهزة الأمنية المسؤولة عن حفظ النظام العام. لكن الموجة مرّت وانحنى أمامها المغرب وأصبحت خلفه لا أمامه، فبادر وزير الداخلية مولاي الطيب الشرقاوي إلى استدعاء أمناء أحزاب الأغلبية والمعارضة، لدراسة مقترحات الأحزاب و”آرائهم” بخصوص التعديلات الواجب إدخالها على قانون الأحزاب وقانون الانتخابات.
خطوة أولية لم تكن لتفي بالغرض وتقدّم جوابا عن ذلك الكم الهائل من الأسئلة التي خرجت الحناجر لتصدح بها. أسبوعان فقط، بعد ذلك الخروج الأول، كانا كافيين كي يقدم الملك جوابه عن التحرك الشعبي غير المسبوق في عهده، حيث أطل على شعبه في خطاب رسمي يوم 9 مارس 2011، مبشّرا بنقل بعض السلطات التي ظلّ يمارسها الملك في دساتير الحسن الثاني، إلى الحكومة في شخص وزيرها الأول الذي سيُصبح في الدستور الجديد رئيسا للحكومة. وبتعزيز صلاحيات مجلس النواب في التشريع والمبادرة ومراقبة الحكومة، مقابل خفض مكانة الغرفة الثانية، أي مجلس المستشارين.
كانت الجملة الأولى من خطاب الملك محمد السادس كافية لكشف جوهر الموضوع، فالملك خرج ليتحدث “بشأن الشروع في المرحلة الموالية، من مسار الجهوية المتقدمة، بما تنطوي عليه من تطوير لنموذجنا الديمقراطي التنموي المتميز، وما تقتضيه من مراجعة دستورية عميقة”. قبل أن يعلنها الملك صريحة واضحة: “تخويل رؤساء المجالس الجهوية سلطة تنفيذ مقرراتها، بدل العمال والولاة”، مع ما يعنيه ذلك من ثورة غير مسبوقة في بنية الدولة المغربية.
فمن العوامل التي أبقت الباب مفتوحا أمام الملك ليقود المبادرة في الإصلاح، كانت حركة 20 فبراير نفسها، والتي جعلت لنفسها سقفا لا يتجاوز المؤسسة الملكية، ويقف عند مطلب الملكية البرلمانية. كما اختارت الحركة أن توجه شعاراتها واحتجاجاتها لمؤسسات وشخصيات ورموز، وإن كانت قريبة من المحيط الملكي، إلا أنها كانت لا تمس الملك. لهذا جاء رد فعل المؤسسة الملكة على خروج حركة 20 فبراير سريعا، فبين 20 فبراير و9 مارس أقل من ثلاثة أسابيع، وعلاوة على السرعة، كان الرد في عمق الإشكالية السياسية والدستورية، حيث توجه الملك مباشرة إلى مصدر التوتر، وأجاب عن السؤال المركزي، ولم يقدم جوابا أمنيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا كما فعلت أنظمة أخرى.
فبعد أسبوعين من “الخرجة” الشعبية الكبرى ليوم 20 فبراير، تأكد خبر عودة الملك من الديار الفرنسية واستعداده لإلقاء خطاب لا يتزامن هذه المرة مع أي من المناسبات الوطنية. أي إن الخطاب سيخصص للردّ على أمواج المتظاهرين التي اجتاحت شوارع جل مدن المملكة، وفي الأفق كانت بوادر حلّ للبرلمان، وإبعاد عدد من الوجوه البارزة للمسؤولين الكبار الذين رفع المتظاهرون صورهم ونادوا برحيلهم. لكن ما خطّته الأقلام التي صاغت ذلك الخطاب كان طافحا بالمفاجآت، ومتجاوزا للانتظارات. أعلن الإعلام العمومي عن برمجة خطاب ملكي استثنائي سيُبثّ على أمواج الإذاعة والتلفزيون. وفي الموعد، ظهر الملك وعلى يمينه ولي عهده مولاي الحسن، وعلى يساره شقيقه مولاي رشيد، وفي الخلفية كرسي العرش وعلمين وطنيين. الجملة الأولى من خطاب دام زهاء ربع ساعة، حملت توطئة للإعلان عن مراجعة دستورية شاملة، وتتمثل في ضرورة الشروع في تنزيل مشروع الجهوية الموسعة. “أخاطبك اليوم، بشأن الشروع في المرحلة الموالية، من مسار الجهوية المتقدمة، بما تنطوي عليه من تطوير لنموذجنا الديمقراطي التنموي المتميز، وما تقتضيه من مراجعة دستورية عميقة”، يقول الملك محمد السادس في مستهل ذلك الخطاب.
أما مستجدات ليلة ذلك الأربعاء، كانت نقل بعض السلطات التي ظلّ يمارسها الملك في دساتير الحسن الثاني، إلى الحكومة في شخص وزيرها الأول الذي سيُصبح في الدستور الجديد رئيسا للحكومة وللمجلس الحكومي. وستتعزّز صلاحيات مجلس النواب في التشريع والمبادرة ومراقبة الحكومة، مقابل خفض مكانة الغرفة الثانية لتصبح ممثلة للهيئات المنتخبة محليا. أي إن محمد السادس أقدم على دفن الملكية التنفيذية التي أفنى والده حياته محاولا بناءها وتثبيت دعائمها. والتوجّه الذي كانت الدولة آخذة في تكريسه منذ العام 2002، والمتمثل في إعادة إحكام قبضة النواة الصلبة للدولة العملية على مقاليد السلطة، انهارت أمام الكلمات القوية وغير المسبوقة التي حملها ذلك الخطاب.
مد وجزر..
كما هو الحال في كثير من المحطات، فإن الدولة لا تنصت وتتفاعل بالنغمة نفسها، فبين الأربعاء 9 مارس والأحد الموالي، أي 13 مارس 2011، أربعة أيام قصيرة قفزت خلالها مؤشرات بورصة التفاؤل إلى أقصى مستوياتها، وعمّت الفرحة جلّ القلوب التي ضاقت في تلك الفترة من خشية التراجع إلى عهود الظلام، لكن الجواب الذي تلقاه المغاربة في اليوم الرابع من هذا الاحتفال، كان صادما: هجوم قوي وكاسح لعشرات من رجال الأمن المدجّجين بالهراوات والمرتدين لخوذاتهم الحديدية، ضد بضع عشرات من الأشخاص الذين قال بعضهم إنه لا يتفق مع السقف الذي حدّده خطاب 9 مارس وإن طموحه يعلو ليتجاوزه، فيما اعتبر آخرون منهم أن تحقيق ما حمله خطاب الملك يتطلّب مواصلة الخروج والتظاهر وممارسة الضغط على معاقل الفساد وجيوب المقاومة التي لن يُثنيها التصريح الملكي لتتراجع عن مواقعها.
عميد المعارضين اليساريين محمد بن سعيد آيت ايدر، وشيخ المناضلين من أجل إصلاح الدستور محمد الساسي، وعدد من الصحافيين الحاملين للبطاقة المهنية، كلّهم كانوا شهودا على هجمة عنيفة شنتها هراوات رجال الأمن التي كانت تنهال على وجوه ومؤخرات من تجرؤوا على النزول إلى الشارع يوم الأحد الموالي للخطاب. لماذا هذا التدخّل القمعي؟ “لأن المتظاهرين كانوا ينوون تحويل الوقفة أمام الولاية بساحة “لحمام” بالدار البيضاء، إلى مسيرة غير مرخّصة”، تقول قصاصة لوكالة المغرب العربي للأنباء صدرت يومها. هذا الحرص على التبرير قانونيا عبّرت عنه السلطات بإحضارها بعض وكلاء الملك إلى عين المكان، ومسارعة عشرات رجال الأمن الذين نفذوا الهجوم، إلى استصدار شواهد طبية تقول إنهم تعرضوا للضرب على يد المتظاهرين.
سارعت القوات الأمنية بعد ذلك الخطاب إلى التدخّل بطريقة عنيفة في عدة مدن، من بينها الرباط وشفشاون وتطوان… فقد كان واضحا أن الدولة تريد حذف أي ضغط من الشارع، وحصر النقاش في الصالونات المعتمة، واحتكار عملية اختيار الفاعلين وتحديد التوجهات. مؤشرات محاولات ارتداد لم تمنع اتساع جبهة الأحزاب السياسية المطالبة بحذف عبارة “شخص الملك مقدّس”، الموجودة في الدستور السابق، واستبدالها بعبارات أخرى تحفظ مكانة الملك واحترامه دون تقديسه. وبعدما كتب حزب التقدّم والاشتراكية في مقترحه الذي قدّمه للجنة المكلفة بتعديل الدستور، عبارة “لا تُنتهك حُرمته” بدل عبارة “مقدّس”، جاءت مقترحات كل من حزب العدالة والتنمية وجبهة القوى الديمقراطية وحزب الطليعة، بدورها خالية من هذه العبارة التي كان الراحل الحسن الثاني قد وضعها في دساتيره. فحزب العدالة والتنمية قال في وثيقته إنه يقترح استعمال عبارة “يتمتّع الملك بحصانة كاملة في ممارسة مهامه”، وحزب جبهة القوى الديمقراطية من جانبه، وضع عبارة “الملك لا تُنتهك حرمته ولا يخضع للمساءلة”، بدلا من عبارة “الملك مقدّس”. فيما طالبت أصوات حقوقية وسياسية بإلغاء العمل بوثيقة البيعة التي يتم التوقيع عليها عن تنصيب كل ملك جديد، والاكتفاء بالدستور كضامن لانتقال العرش وتعاقد وحيد بين الملك والشعب. وفي ندوة نظّمها معهد HEM ليلة 31 مارس 2011، قال الحقوقي ورئيس جمعية عدالة، عبدالعزيز النويضي، إن البيعة “هي ما يجعل لنا دستورين، دستور مكتوب وآخر غير مكتوب، وهو المتفوّق”. بينما ذهب الناشط الأمازيغي والحقوقي أحمد عصيد، في الندوة نفسها، إلى المطالبة بإلغاء إسلامية الدولة، لكون هذا الوضع مرتبط بسلطة تنفيذية لحاكم فردي، معتبرا أنه “لهذه يجب أن تُصبح هذه الإسلامية رمزية وليست أداة للقمع”…
صمود الأمل الذي بثه الملك
رغم تلك الهجمة المضادة التي قامت بها بعض أذرع “الدولة العميقة”، كانت تلك اللحظة من تاريخ المغرب فارقة لأنها طرحت لأول مرة سؤال المراجعة الدستورية في عهد الملك محمد السادس، فالدستور الموروث عن عهد الملك الراحل الحسن الثاني، ليس مجرّد وثيقة قانونية، تنظّم عمل مؤسسات الدولة، وتحدّد اختصاصات كل منها بما يحقّق الديمقراطية والتوافق الوطني والسلم الاجتماعي. بل كانت جلّ سنوات وفصول الصراع المرير والطويل من أجل الانفراد بالحكم وممارسة أقصى ما يمكن من السلطة، تتم على أرضية الدساتير. لذلك لم تكن فصول الدستور الذي ظلّ يحكم المغرب أكثر من عشر سنوات على رحيل الحسن الثاني، مجرّد عبارات قانونية، بل إن لكلّ كلمة من كلماته دلالاتها ومبرّراتها ودواعيها وطرق تفسيرها وتأويلها، بما يخدم استمرار سيطرة المؤسسة الملكية على مقاليد الحكم، مع منحها وجها عصريا.
فالمبادرة الملكية جاءت مُعلنة بداية عهد جديد حقيقي، من خلال الإعلان الصريح عن ضرورة نقل عدد من الصلاحيات التي ظلّ يمارسها الملك أو تمارسها الحكومة تحت إشراف الملك، إلى الجهاز التنفيذي، وتسمية الوزير الأول كرئيس للحكومة، والاعتراف باجتماعات المجلس الحكومي التي ظلّت تنعقد بناء على عُرف لا أساس قانوني له. وزاد الخطاب الملكي على ذلك، إعلانه دسترة “المنهجية الديمقراطية”، أي تعيين رئيس الحكومة من صفوف الحزب الذي يحتل المرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية.
مستجدات سارعت الأحزاب السياسية إلى تلقّفها، وضمّنتها في الوثائق الأولية التي قدّمتها أمام لجنة عبداللطيف المنوني. فالمذكّرة التي قدّمها حزب العدالة والتنمية مثلا إلى اللجنة المكلفة بتعديل الدستور، طالب فيها بجعل الحكومة مؤسسة منتخبة ومسؤولة عن تدبير الشأن العام، وذلك عبر التنصيص الدستوري على أن يتم تعيين رئيس الحكومة بناء على نتائج الانتخابات التشريعية العامة، وذلك من الحزب الفائز بالرتبة الأولى في انتخابات مجلس النواب. مذكرة الإسلاميين شدّدت على اعتبار رئيس الحكومة رئيسا للسلطة التنفيذية والمسؤول عن السلطة التنظيمية ويتولى المسؤولية الكاملة على الحكومة، وعلى الإدارة العمومية والمؤسسات العمومية، بالإضافة إلى تولي قيادة وتنفيذ البرنامج الحكومي. كما يمكن لرئيس الحكومة، حسب تصوّر الإسلاميين، أن يفوض بعض اختصاصاته إلى الوزراء.
أما المذكرتان اللتان تقدّم بهما كل من الاتحاد الاشتراكي وحزب التقدم والاشتراكية، فاتسمتا ببعض المرونة تجاه علاقة الحكومة بالقصر الملكي، وأبقت على شعرة معاوية، حيث اعتبرتها مسؤولة أمام الملك والبرلمان معا. ونصّت مذكرة الاتحاديين على أن يترأس رئيس الحكومة مرة في الأسبوع مجلس الحكومة كإطار للتداول وصياغة القرارات المرتبطة بتحديد وتدبير السياسات العمومية، وأن تتولى الأمانة العامة للحكومة التي تعمل تحت إشراف رئيس الحكومة، سكرتارية المجلس الوزاري وتسهر على نشر جدول أعماله والقرارات التي تصدر عنه. فيما نصّت مذكرة حزب الكتاب على أن يبت مجلس الحكومة في القضايا تحت الدرس قبل عرضها على مجلس الوزراء، وفي مشاريع القوانين، ويمارس كل الاختصاصات التي يسندها له الدستور، أو التي يفوضها له مجلس الوزراء، كما يحدد مجلس الحكومة السياسة العامة للدولة، التي يتقيّد بها، بعد المصادقة عليها في المجلس الوزاري.
كانت مذكرات الأحزاب السياسية وجل الهيئات والجمعيات التي استمعت إليها لجنة المنوني محتشمة، مقارنة بسقف خطاب 9 مارس. فالخطاب تحدّث عن “برلمان نابع من انتخابات حرة ونزيهة، يتبوأ فيه مجلس النواب مكانة الصدارة، مع توسيع مجال القانون، وتخويله اختصاصات جديدة، كفيلة بنهوضه بمهامه التمثيلية والتشريعية والرقابية، وبشّر بـ”حكومة منتخبة بانبثاقها من الإرادة الشعبية، المعبر عنها من خلال صناديق الاقتراع، وتحظى بثقة أغلبية مجلس النواب”، وبـ”تكريس تعيين الوزير الأول من الحزب السياسي، الذي تصدر انتخابات مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها”. كما وعد الملك بتقوية مكانة الوزير الأول، “كرئيس لسلطة تنفيذية فعلية، يتولى المسؤولية الكاملة على الحكومة والإدارة العمومية، وقيادة وتنفيذ البرنامج الحكومي”.
دستور جديد ووضع قديم
حملت المعالم الأولى للدستور الجديد، والتي كشف عنها كل من عبداللطيف المنوني، رئيس اللجنة المكلفة بإعداد الدستور، ومحمد المعتصم، المستشار الملكي، الذي ترأس الآلية السياسية لمواكبة إعداد الدستور؛ مواقف من قضايا إشكالية وشائكة، من قبيل الاتجاه نحو دسترة اللغة الأمازيغية وإدخال عناصر خارجية عن الجسم القضائي إلى مجلس السلطة القضائية، والتنصيص على تعيين الوزير الأول من الحزب الذي يحتل المرتبة الأولى في الانتخابات… وهي كلّها توجّهات أكدتها الصيغة النهائية، رغم أن أحد أعضاء اللجنة، وهو محمد الطوزي، خرج بعد شهور ليقول إن النسخة التي سلّمتها اللجنة إلى الملك كمسودة للدستور، لم تكن هي نفسها التي عُرضت على الاستفتاء. والنص الذي عُرض على استفتاء فاتح يوليوز، لم يكن هو نفسه الذي نُشر في الجريدة الرسمية، بل ذهب الطوزي في ندوة نظمتها جمعية ترنسبرنسي لاحقا، إلى أن هناك اختلافا بين النسختين العربية والفرنسية، “رغم أن المعتد قانونيا والمرجع الوحيد هو النسخة العربية”.
كانت قراءة الطوزي منذ البداية تقوم على اعتبار النص الدستوري قابلا لاحتواء الشيء ونقضيه، وتأويله ديمقراطيا مرتبطا بالفاعلين السياسيين، وفي مقدمتهم رئيس الحكومة. تدريجيا، ومنذ الشهور الأولى لحكومة عبد الإله بنكيران التي خرجت من رحم موجة الربيع العربي؛ بدا أن رسم طرق العودة إلى ما قبل تلك المرحلة قد انطلق، فالوجه التنفيذي للملكية تعزز في سنوات ولاية الحكومة الماضية بشكل متواتر. من قانون التعيين في المناصب السامية الذي خصّص للملك لائحة من المؤسسات الاستراتيجية، إلى اجتماعات الديوان الملكي التي تحيل قراراتها على المجلس الحكومي والبرلمان كي يصادق عليها، وصولا إلى الانتقال من اختيار الوزراء التكنوقراط ضمن الحكومة وتعزيزهم في التعديلات المتلاحقة، إلى هندسة حكومية شاملة تغرق مؤشر الإرادة الشعبية في بحيرة من الأحزاب الآسنة.
فالممارسة السياسية التي أعقبت موجة الربيع العربي كرّست دور الملك المهمّ والحاسم في جميع المجالات، وذاكرة المغاربة تتذكر كيف كانت الطبقة السياسية صيف 2013 في أعلى درجات الترقّب والانتظار، بعد طول مقام الملك في الديار الفرنسية، حيث كان يقضي إحدى عطله الشخصية. فالحزب الثاني في الحكومة (حزب الاستقلال) قرّر حينها الانسحاب من أغلبيتها، والترقب يعمّ البلاد منذ ذلك الحين، في انتظار العودة الملكية وتبيّن القرار الذي سيتخذه الجالس على العرش أمام أُولى أزمات حكومات الدستور الجديد.
إغلاق القوس
هذا المد التراجعي عن أفق الملكية البرلمانية تأكد بشكل ملموس خلال فترة “البلوكاج” التي أعقبت انتخابات 7 أكتوبر 2016، والتي حسمت أشياء كثيرة. فقبل أن يجفّ حبر القصاصات الرسمية الأولى المعلنة عن تعيين حكومة سعد الدين العثماني، كانت جريدة “لوموند” الفرنسية تكتب معنونة: “الملك يعين حكومة تكنوقراط تهمّش الإسلاميين”. وقبيل الانتخابات التشريعية الأخيرة، وفي الوقت الذي كانت فيه القوى الرافضة لاستمرار التجربة الحكومية الماضية تخوض حربا شرسة ضدها، كتبت مجلة “دي إيكونوميست” البريطانية المرموقة، إن المغرب وبعد مرور خمس سنوات على الربيع العربي، بلد مستقر و”نسبيا حر” مقارنة بمحيطه. وأضافت المجلة أن الملك وبعد مرور كل هذه الفترة، مازال “مهيمنا” على جميع السلطات”، لكنه يتمتع بشعبية واسعة بفضل جهوده لصالح المرأة ومحاربة الفقر، بالإضافة إلى التموقع الاقتصادي الذي بدأ يتغيّر من خلال ظهور صناعات جديدة مثل السيارات والطائرات ومشروع الطاقة الشمسية.
باحث في جامعة بريستول البريطانية، اسمه تيل بركنر، قام عام 2015 بزيارة للمغرب دامت 6 أشهر، كتب بعدها مقالة عنونها بـ”الأساطير السبع حول الديمقراطية في المغرب”. الباحث وجّه عبر خلاصاته الأولية هذه، انتقادات إلى الكتابات المتداولة حول المغرب، معتبرا أنها تتضمن الكثير من المغالطات والصور النمطية الخاطئة. أولى الأساطير التي سجلها هذا الباحث تتمثل في مقولة “المغرب ملكية دستورية”. الكاتب علّق بالقول إن هذا الأمر خاطئ تماما، “المغرب ليس ملكية دستورية، بل هو عبارة عن ملكية تتوفر على دستور مكتوب. هناك فصل بين الأدوار، لكنه ليس فصلا بين السلطات. فكل الاختصاصات السياسية والاقتصادية والدينية تتركز داخل القصر الملكي. بركنر أوضح أنه وعلى هامش كل هذا، تدور “مسرحية كراكيز” تسمى الحكومة، و”كوميديا طويلة” اسمها البرلمان.
الـ”أسطورة” الثانية، حسب بركنر، تتمثل في القول بوجود مسار ديمقراطي. “فالديمقراطية بالمغرب طريق باتجاهين، وفي الوقت الحالي، توجد البلاد في مرحلة تراجع نحو الخلف. وكمثال على ذلك، يكرس الدستور حق الوصول إلى المعلومات لجميع المواطنين، لكن مشروع القانون الخاص بذلك يقول إن من حق المواطنين الوصول إلى المعلومات، لكن في حالة قيامهم بنشرها فإنهم يذهبون إلى السجن”. وذهب بركنر إلى أنه ومع انطلاق الربيع العربي، وضع المغرب دستورا شبيها بدستور ألمانيا الشرقية في العهد الستاليني، “وكما يقول المثل، فالورق يتمتع بصبر كبير، ويمكنك أن تكتب ما تشاء فوقه، فإنه لن يشتكي أبدا. القصر وعد بالديمقراطية منذ ما قبل الاستقلال، وسيستمر في تقديم الوعود بالإصلاحات الديمقراطية في المستقبل، لا شيء جديد في ذلك”.
معضلة المُلك
لقد شكل الصراع الطويل الذي دام قرابة ستة أشهر حول طريقة تشكيل الحكومة بعد انتخابات 2016، وانتصار المعسكر الذي كان قاده رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، عزيز أخنوش؛ دخولا في مرحلة جديدة من مراحل التراجع والانكماش. فالآمال التي جاءت مسيرات حركة 20 فبراير، ومعها خطاب 9 مارس ودستور فاتح يوليوز 2011، كان جوهرها ينصبّ على إخراج قسم كبير من السلطات والصلاحيات التنفيذية، من مجال الهيمنة المطلقة للمؤسسة الملكية المتمتعة بشرعية دينية وتاريخية وشعبية كبيرة، تستلزم إبقاء المؤسسة خارج دائرة التدبير اليومي ومجال الاختلاف والصراع السياسيين.
باحثان من معهد “بروكينغز” أصدرا في بداية شهر مارس 2017، دراسة بعنوان “معضلة الملك”. العبارة تشير إلى كتاب قديم للأمريكي صامويل هنتنغتون، يتطرق إلى كيفية دمقرطة الأنظمة السياسية دون أن تفقد زمام السلطة. “بالنسبة إلى هنتنغتون، كانت الخيارات واضحة: فإما أن يحاول الملك الحفاظ على سلطته من خلال الاستمرار في التحديث لكن مع تكثيف القمع اللازم للمحافظة على السيطرة، وإما أن يحوّل ملَكيته إلى ملكية دستورية حيث يسود الملك ولكنه لا يحكم. “وبعد مرور ست سنوات على اندلاع الانتفاضات العربية، كان العاهل المغربي محمد السادس يواجه نسخته الخاصة من معضلة الملك. وتشكّل الأزمة الحالية في تشكيل الحكومة المغربية اختباراً مهماً له”، يقول الباحثان عادل عبدالغفار وأنّا جاكوبز، أياما قليلة قبل صدور قرار إعفاء عبدالإله بنكيران من تشكيل الحكومة.
مرحلة “البلوكاج” الطويلة التي عاشها المغرب في تلك السنة، تشير حسب الدراسة إلى أن “الوعود التي أعقبت الثورات العربية عام 2011، بتقاسم السلطة والملكية الدستورية، لم يتم الوفاء بها. والانقسام اليوم، هو أكثر وضوحاً من أي وقت مضى، فالدولة لا تزال تعمل دون وجود حكومة برلمانية فعالة، من خلال نموذج الحكم التقليدي في المغرب: أي النظام الملكي وديوانه”. ويخلص الباحثان إلى أن القصر يتحكم في النظام من الداخل. “فالحفاظ على حلفاء القصر في الأحزاب السياسية الرئيسية في كل من الحكومة والمعارضة، هو أساسي لسيطرة العائلة المالكة على السياسة المغربية. في الوضع الحالي، فإن أخنوش- الصديق المقرب من الملك- موجود في المقدمة، ومن المرجح أنه سيدخل التحالف الحكومي وسيؤثر في القرارات السياسية… وبالتالي، فإن الوعود التي قُطعت في العام 2011 بتقاسم السلطة ضمن نظام ملكي دستوري لم تتحقق”.
مؤشر “BTI”، الذي يرصد مؤشرات التحول الديمقراطي في الفترة ما بين فبراير 2013 ويناير 2015، صنف المغرب في الرتبة 93 ضمن 129 دولة شملها التقرير. واستهلت الوثيقة الجزء الخاص بالمغرب بالقول إن المؤسسات الديمقراطية والعملية الانتخابية المنتظمة وكل ما يرتبط بها أمور موجودة شكليا، “لكن النظام السياسي يظل غير ديمقراطي. فالبرلمان لا يمكنه أن يشرّع في استقلال عن المؤسسة الملكية، والنظام يستعمل أنظمة مختلفة للضغط والتأثير من أجل الحفاظ على السيطرة على المؤسسة التشريعية. والأهم من كل ذلك، أن الملك مازال يحتفظ بصلاحية وضع جدول أعمال المجلس الوزاري الذي يوافق على مشاريع القوانين قبل أن تحال على البرلمان. كما أنه يعين الأمين العام للحكومة الذي يستطيع تجميد القوانين حتى بعد المصادقة عليها من البرلمان. وإذا وضع الملك ثقله خلف أحد القوانين، فإن الأحزاب السياسية لا تغامر بالاعتراض عليها، وهو ما جرى مع الحزب الإسلامي حين جاءت إصلاحات مدونة الأسرة عام 2003”.
من جانبه المعهد الملكي للدراسات (ARI)، الموجود مقره في العاصمة الإسبانية مدريد، أصدر يوم 9 مارس 2017، أي تزامنا مع الذكرى السنوية السادسة لخطاب 9 مارس، تقريرا يحلل الوضع السياسي بالمغرب. أبرز خلاصات التقرير تقول إن “الملكية في المغرب نجحت في تحييد، أو على الأقل، الحد من تأثير عدد من التنازلات التي اضطرت إلى تقديمها ردا على حركة 20 فبراير”. هذه الأخيرة طالبت، حسب التقرير، بملكية برلمانية يسود فيها الملك ولا يحكم، “وهو ما جاء دستور 2011 لمحاولة تلبيته. ومناخ التغيير والإصلاح هذا، مهد الطريق لحزب العدالة والتنمية الإسلامي لينتصر في الانتخابات… زعيمه عبدالإله بنكيران، قبل بالوضع القائم المتمثل في هيمنة المؤسسة الملكية، وردد ذلك عدة مرات علنا، وبشكل غير مباشر في استجواباته وخطبه، حيث ردد أن رئاسة الحكومة لا تعني حيازة السلطة، وأن علاقته بالملك تقوم على التعاون والتنسيق. لقد حرص بنكيران كرئيس للحكومة على تقديم الكثير من التنازلات بهدف نيل ثقة الملك…”.
من مشروع الجهوية إلى دولة الولاة
مؤشر “BTI” ذهب إلى درجة الحديث عن سلطات العمال الكبيرة أمام المنتخبين المحليين، معتبرا أن هؤلاء العمال معينون من طرف الملك. كما لو أن معدي التقرير كانوا يستشعرون أن حكومة سعد الدين العثماني ستسند اختصاصات وسلطات واسعة لرجال السلطة الجهويين، في مجالات الاقتصاد والاستثمار والأمن في تنزيلها لما يعرف باللاتمركز. فرغم كل ما عرفه المغرب من مستجدات دستورية ومؤسساتية في السنوات الأخيرة، إلا أن النص الجديد لميثاق اللاتمركز يجد مرجعيته الأساسية في ظهير بمثابة قانون صدر في منتصف السبعينيات، يتعلق باختصاصات العمال، حيث ينص هذا الظهير على أنه “يعد العامل بمثابة مندوب حكومة جلالتنا الشريفة في العمالة أو الإقليم الذي يمارس فيه مهامه”. السلطات التقريرية التي منحت للبنيات الجهوية الجديدة التي يترأسها الولاة، تتضمن تمكين رؤساء التمثيليات الإدارية اللاممركزة، بصفة متدرجة، من صلاحيات تدبير المسار المهني للموارد البشرية الخاضعة لسلطتهم على الصعيدين الجهوي والإقليمي، وتنظيم مباريات موحدة لتوظيف الأطر المشتركة بين القطاعات الوزارية المعنية للعمل بالمصالح اللاممركزة التابعة لها.

المصدر: اليوم 24

عبر عن رأيك

الآن تيفي

المزيد


استفثاء

ما هي نوعية المواضيع االتي تفضلون قرائتها على موقعكم شيشاوة الآن

التصويت انظر النتائج

جاري التحميل ... جاري التحميل ...