وظهرت هذه الأهمية التي توليها النخبة السياسية الإسبانية لمجريات العلاقات مع المغرب جلية في سياق الأزمة الدبلوماسية التي ألمت بالبلدين طيلة الأشهر الماضية، بسبب غضب الرباط من مدريد عندما استقبل زعيم جبهة “بوليساريو” المطالبة بانفصال الصحراء إبراهيم غالي على الأراضي الإسبانية للعلاج.
واستمرت الأزمة الدبلوماسية بين الرباط ومدريد مدة زمنية غير قصيرة، توقفت خلالها الاتصالات الحكومية وزيارات الوزراء، وتجمدت معظم اتفاقات التعاون الثنائي، إلى أن عادت المياه لمجاريها بإعلان رئيس الوزراء بيدرو سانشيز في مارس (آذار) من العام الماضي عن دعم مخطط الحكم الذاتي الذي يقترحه المغرب لحل نزاع الصحراء.
ويبدو أن اللافت في هذه الانتخابات المرتقبة، بخلاف سابقاتها في سنوات خلت، هو “التوافق الضمني” بين أحزاب سياسية إسبانية متناقضة الخلفيات والمرجعيات والتوجهات مثل “بوديموس” اليساري الراديكالي والحزب الشعبي اليميني “التقليدي” وحزب “فوكس” اليميني المتطرف، على الاستمرار في استكمال مسار الموقف الجديد لمدريد من نزاع الصحراء بين المغرب وجبهة “بوليساريو” الانفصالية.
ويعتزم حزب العمال الاشتراكي الإسباني الاستمرار في دعم العلاقات الثنائية مع المغرب، تحديداً دعم مخطط الرباط لحل نزاع الصحراء، بينما لا تتوقع المملكة أن يغير ألبيرتو فيخو، زعيم الحزب الشعبي اليميني الإسباني، موقف مدريد من ملف الصحراء الذي يجعله المغرب المحدد الرئيس لعلاقاته الدبلوماسية مع مختلف الدول.
السياق السياسي حاسم
من جهته، أفاد المتخصص في العلاقات الدولية مولاي هشام معتضد أن مواقف كل حزب من الأحزاب الإسبانية (الحزب الشعبي والعمال الاشتراكي وفوكس اليميني) من طبيعة العلاقات الدبلوماسية مع المغرب ليست مرتبطة فقط بشكل وثيق بأيديولوجية الحزب، لكن عادة ما يكون السياق السياسي عاملاً مهماً في مواقف هذه الأحزاب لبناء مواقفها الدبلوماسية تجاه المغرب.
ويشرح معتضد “عادة يمكن تصنيف كل من الحزب الشعبي الإسباني وحزب العمال الاشتراكي أكثر الفاعلين السياسيين الإسبان واقعية في بناء رؤية براغماتية في ما يخص العلاقات الثنائية بين مدريد والرباط، إلا أن حزب فوكس اليميني يبقى الأكثر انزواء في تشكيل رؤية معتدلة وذات تقييم منطقي تجاه الجارة الجنوبية لمملكة إسبانيا”.
ولفت إلى أن علاقة الأحزاب السياسية الإسبانية بالمناخ السياسي المغربي والقيادة المغربية غالباً ما يضبطها إيقاع المصالح الاستراتيجية وتوازنات القوى في المنطقة، بخاصة أن الأحزاب السياسية الإسبانية لا تريد مغرباً صاعداً سياسياً وقادراً على تشكيل رقم سياسي يخل بالديناميكية الأمنية والاقتصادية لمصلحته على حساب المصالح الحيوية الإسبانية”.
وأضاف “إذا كان حزب العمال الاشتراكي نجح في فك شيفرة الدبلوماسية المغربية بعد فترة عصيبة سياسياً، فإن نجاحه أصبح مادة دسمة للانتقادات السياسية فوق مائدة جل الأحزاب السياسية الإسبانية، وذلك لما تشكله العلاقات بين البلدين من حساسية دبلوماسية في تدبير الشأن السياسي الخارجي لإسبانيا”.
وذهب معتضد إلى أن “زاوية تشخيص الأحزاب السياسية الإسبانية للعلاقات الثنائية بين الرباط ومدريد بدأت تعرف تغيراً فكرياً على مستوى ميكانيزماتها التاريخية المتجذرة في الفكر الاستعماري والتبعية الثقافية، حيث إن واقعية التطورات الجيوسياسية على الصعيد الدولي وبراغماتية المتغيرات الجيواستراتيجية على المستوى الإقليمي، دفعتا قادة الأحزاب الإسبانية إلى كثير من المرونة خلال الأعوام الأخيرة في تقييم وبناء تصور حول العلاقات الدبلوماسية بين الرباط ومدريد”.