*/

الرئيسية > أخبار المغرب

الحق في الحصول على المعلومة.. ملاحظات متفرقة لـالاستنئناس” حول القانون

  • الثلاثاء 6 أغسطس 2019 - 08:32

لا يمكن أن يكون صدور القانون 31.13، المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات
في هذه الدراسة، يقارب الدكتور منصف اليازغي مجال الحق في الوصول إلى المعلومة من وجهة تطور تأطيره القانوني، وأيضا من جانب فعاليته خلال التنفيذ. على أربع حلقات، يستعرض اليازغي الجهد المبذول من لدنه، لتكوين رأي حصيف بخصوص موضوع شاق كهذا.
لا يمكن أن يكون صدور القانون 31.13، المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات، إلا أمرا إيجابيا في المناخ السياسي الحالي الذي يعيشه المغرب، وذلك على الرغم من الانتقادات التي سبقت وتبعت صدوره بتاريخ 12 مارس 2018، ودخوله حيز التنفيذ سنة بعد ذلك.
إن القانون الحالي، بكل الملاحظات الموضوعية التي ساقها باحثون وجمعيات في السنوات الثماني الأخيرة، يأتي ليضع المغرب في مصاف الدول التي تعترف بهذا المبدأ، وإن كان ذلك جاء كما أسلفنا بهدف استكمال شروط انضمامه إلى مبادرة الشراكة من أجل الحكومة المنفتحة التي انضم إليها سنة 2014، وأيضا ليمنح المواطن حقا من حقوقه المعترف بها دوليا.
عند اطلاعنا على مضمون القانون نجده مشكلا من 30 مادة موزعة على سبعة أبواب جاءت معنونة، على التوالي، بأحكام عامة، واستثناءات من الحق في الحصول على المعلومات، وتدابير النشر الاستباقي، وإجراءات الحصول على المعلومات، ولجنة الحق في الحصول على المعلومات، والعقوبات، وأحكام ختامية.
ونبدأ في إبداء بعض الملاحظات التي تهم القانون 31.13 من العنوان الذي جاء كالتالي: «الحق في الحصول على المعلومات»، فمقارنة بالقانون الأساسي عدد 22 لسنة 2016 بتونس، نجد أن المشرع استعمل لفظ «النفاذ إلى المعلومة»، وهو ما جعل بعض الباحثين يرون أن المشرع التونسي كان أكثر جرأة من نظرائه في العالم العربي، على قلتهم، إذ اعتبروا أن عبارة «النفاذ» أضمن لحق المواطن، وأكثر إلزاما للهيئات والجهات الرسمية بواجب تمكين المواطن من المعلومة.
في ما يتعلق بالتقديم، حتى لا نقول الديباجة، كان من المفترض أن يستهل المشرع المغربي القانون 31.13، ضمن باب «أحكام عامة»، بالإشارة إلى الأهداف من صدوره من خلال التذكير بالمبادئ التي جاءت بشكل متكرر في دستور 2011، من قبيل تكريس مبدأي الشفافية والمساءلة، وتحسين جودة المرفق العمومي، ودعم الثقة ومشاركة العموم في وضع السياسات العمومية ومتابعة تنفيذها وتقييمها، إلى جانب دعم البحث العلمي. الملاحظ أيضا أن لائحة المؤسسات المعنية بالقانون جاءت، إلى حد ما، غير دقيقة، إذ إن السؤال الجوهري هو: هل بنك المغرب والتمثيليات الخارجية وأشخاص القانون الخاص الذين يسيرون مرفقا عموميا يندرجون، بشكل أو بآخر، ضمن لائحة المؤسسات المعنية كما جاء التفصيل فيها في المادة 2؟ أضف إلى ذلك، ما موقع الجمعيات ذات النفع العام التي تستفيد من امتيازات خاصة، من قبيل الإعفاءات الضريبية والجمركية، وإمكانية تنظيمها طلبات الإحسان وتلقي الهبات وسط هذا القانون؟ غياب هذا الوضوح ربما قد يزيد بشكل غير مباشر من حجم الاستثناءات المحددة في المادة السابعة.
من جهة أخرى، لم يقف نص القانون عند حدود ما تنتجه المؤسسات والهيئات المعنية بتقديم المعلومات للمواطنين، بل مدّد ذلك إلى الوثائق التي تتوصل بها من مؤسسات أخرى في إطار مهام المرفق العام، بل إن المشرع كان منفتحا وهو يضع تعريفا واسعا للمقصود بـ«المعلومات»، معرفا إياها بالمعطيات والإحصائيات، سواء جاءت على شكل أرقام أو رسوم أو صور أو تسجيلات سمعية بصرية، أو جُمعت في وثائق ومستندات وتقارير ودراسات وقرارات ودوريات ومناشير ومذكرات وقواعد البيانات. ما سبق يحيلنا على سؤال آخر، وهو مدى قدرة الإدارة العمومية بالمغرب على توثيق وتجميع وترتيب المعطيات المتراكمة لديها طيلة العقود الماضية وفق أساليب تكنولوجية حديثة، تسهل نفاذ المرتفق إليها، سواء بصفته باحثا أو رجل أعمال أو متقاضيا، بشكل سلس دون أن يكون هناك مجال للتذرع بتلف تلك الوثائق أو فقدانها؟ فمن قادته صدفة البحث في أرشيف الإدارات العمومية سيكتشف حقيقة مهولة، إذ إن المكان المخصص عادة للوثائق غالبا ما يكون قبوا أو غرفة غير صالحة لتكون مكتبا، بشكل يجعل الوثائق عرضة للتلف نتيجة عامل الرطوبة على الخصوص، كما أن من يشرفون على قسم الأرشيف هم غالبا من قُذف بهم هناك في إطار عقوبات إدارية تأديبية، الأمر الذي يتعارض مع كون مهنة الأرشيف قائمة الذات ولها متخصصون وتقنيون (معاينة مباشرة لهذا الواقع؛ بعض الموظفين يتناولون وجبات الغداء على صفحات جرائد مغربية يعود تاريخها إلى الفترة الكولونيالية!).
وضد توقعات بعض الندوات العلمية التي نظمت في السنوات التي تلت دسترة الحق في الحصول على المعلومة سنة 2011، فإن الأجانب، ضمن القانون 31.13، لهم الحق نفسه الذي يتمتع به نظراؤهم المغاربة شريطة وجودهم في وضعية قانونية، وهو ما يعد نقطة إيجابية مقارنة بالقانون التونسي الذي ترك هذا الأمر ملتبسا وغامضا ضمن عبارة «كل شخص طبيعي أو معنوي»، كما أنه يأتي منسجما مع السياسة العمومية في مجال الهجرة التي أطلقها المغرب في العقد الأخير، وتوجت باحتضانه وتوقيعه بمراكش سنة 2018 على الميثاق الدولي المنظم للهجرة.
في ما يتعلق بتركيبة «لجنة الحق في الحصول على المعلومة» وفق المادة 22 بالباب الخامس، فقد اعتمد المشرع فيها على مبدأ التمثيل والترشيح المؤسساتي، وليس على مبدأ التخصص والكفاءة الذي غابت الإشارة إليه كلية ضمن الباب الخامس، وبالتالي، يطرح التساؤل عن موقع القاضي والباحث الجامعي والإعلامي والمتخصص في الإحصاء وسط تركيبة اللجنة، وهي التخصصات التي كان من المفروض أن يشار إليها بشكل صريح ومباشر إلى جانب ممثلي «أرشيف المغرب» و«المجلس الوطني لحقوق الإنسان» و«الوسيط»، مع التشديد على ضرورة توفر خبرة لدى الأعضاء في مجال التخصص، كما حددتها بعض القوانين المماثلة، لا تقل عن عشر سنوات حدا أدنى. كما لم يتطرق النص القانوني أيضا إلى مبادئ تهم سيرة وشخصية أعضاء اللجنة، من قبيل غياب السوابق العدلية والتمتع بالاستقلالية والنزاهة والحياد، والتمتع بالخبرة في المجالات المتعلقة بموضوع الحق في الوصول إلى المعلومة.
سؤال آخر يفرض نفسه بإلحاح ونحن نرفع شعارات الشفافية والكفاءة و… ألم يكن من باب أولى أن تكون عضوية اللجنة رهينة بتقديم ترشيحات في كل مستوى معين، قبل الاختيار من لدن لجنة برلمانية أو حكومية؟ ليس في الأمر تقليل من شأن أعضاء اللجنة الحالية، بقدر ما يتعلق الأمر بتثبيت مبدأ موضوعي يتيح للجميع حق الترشح بعد الوفاء بشروط محددة وواضحة، والهدف الأكيد هو صعود ذوي الكفاءة والخبرة.
إن صدور هذا القانون، الذي هو تنزيل للمادة 27 من دستور فاتح يوليوز 2011، هو أحد المطالب التي رفعت بالمغرب طيلة العقود السابقة، وطبيعي جدا أن تكون هناك انتقادات للسقف الذي توقفت عنده الحكومة وهي تدبج هذا القانون، وأن تكون هناك تطلعات أكبر تتجاوز الخط الذي وقف عنده نواب الأمة في مجلسي البرلمان وهم يصادقون عليه بعد أخذ ورد، لكن، في جميع الأحوال، فأي قانون ليس بالضرورة كاملا، وهو نتاج سياق سياسي تتجاذبه صراعات سياسية وأيضا مصالح مرتبطة بهواجس لدى الدولة، بل ربما يتعلق الأمر بتدرج موضوعي في التعاطي مع بعض القضايا.
تبعا لذلك، فإن المسؤولية ملقاة بالدرجة الأولى على الحكومات المقبلة من خلال مبادرة تشريعية (مشروع قانون) تغني القانون الحالي وفق المستجدات الطارئة، وتبعا لنتائج العملية التجريبية التي سيخضع لها هذا القانون منذ السنة الجارية. المسؤولية ملقاة أيضا على البرلمانيين من خلال مقترحات قوانين تعكس تفاعلهم مع مطالب المجتمع المدني، دون الحديث عن منفذ آخر مرتبط بما تتيحه المادة 15 من الدستور للمواطنين من أجل التقدم بعرائض إلى السلطات العمومية وفق كيفيات وشروط ممارسة هذا الحق كما جاء بها القانون التنظيمي رقم 44.14.

منصف اليازغي – باحث جامعي في القانون الدستوري والعلوم السياسي

عبر عن رأيك

الآن تيفي

المزيد


استفثاء

ما هي نوعية المواضيع االتي تفضلون قرائتها على موقعكم شيشاوة الآن

التصويت انظر النتائج

جاري التحميل ... جاري التحميل ...