*/

الرئيسية > أراء

مغرب بدون ماكياج

  • الثلاثاء 22 ديسمبر 2015 - 07:37

قبل أيام التقيت دبلوماسيين أمريكيين كانوا مهتمين بسماع رأي صحافي حول مشروع قانون الصحافة وعموم أحوال البلد. تحدثت عن بلدي بالأبيض والأسود، أي الجوانب الإيجابية التي أراها بيضاء والجوانب السلبية التي أراها سوداء والتي يعرفها المراقبون، فبادرني واحد من الدبلوماسيين الأمريكيين بالقول: «إن أوضاع المغرب أفضل بكثير من جيرانه»، فقلت له: «هذا صحيح، لكن نحن في المغرب لا نقارن أحوالنا بالشرق المتخلف ولا بالجوار الميت. نحن نقارن أوضاعنا بالغرب المتقدم. نحن بلاد لا تبعد إلا 12 كلم عن أوربا»، ثم سألته بدوري سؤالا لا يحتاج إلى جواب: «كم من مغربي يضع يوميا طلبا لدى مصالحكم القنصلية بغية الحصول على تأشيرة عمل أو دراسة أو سياحة أو هجرة إلى أمريكا؟ وكم من مغربي يقف كل يوم في صف طويل عند أبواب قنصليات فضاء شنغن يطلب فيزا لدخول أوروبا؟». فأجاب الدبلوماسي الأمريكي بكلمة واحدة: «كثيرون»، ثم استكملت الشطر الثاني من السؤال: «كم من مغربي يطلب تأشيرة لدخول الجزائر أو باكستان أو ليبيا أو بنغلادش أو العراق أو سوريا؟»… ضحك، ففهم الجميع المراد من السؤال.
المشكلة اليوم أن المسؤولين الكبار في بلادنا ينظرون إلى المغرب بنظارتين مختلفتين، عندما نكون إزاء الحديث عن الإصلاحات الديمقراطية وعن حرية الصحافة وحقوق الإنسان والفساد وتردي خدمات الإدارة ومعايير الحكم الرشيد، يشهرون ورقة مقارنة المغرب بأشقائه العرب والأفارقة، وتقفز المقارنات بين الرباط والجزائر ودمشق والعراق وصنعاء وكابول وإسلام أباد وطرابلس.. وعندما يريد المغرب أن يتحدث مع الأوربيين والأمريكيين عن ضرورة تشجيع صادراته إلى بلدانهم، وتحفيز سياحهم على زيارة البلد، وتحريض رجال أعمالهم على الاستثمار في المغرب، وعن طموحه إلى بلوغ وضع متقدم في الشراكة مع الكبار، يقارن نفسه بإسبانيا والبرتغال واليونان وتركيا، ويبدأ في الحديث بلغة الغرب لا بلكنة الشرق.
ازدواجية المعايير هذه في الصورة التي نسوقها للعالم لا تجعل أي خطاب يمر إلى قناعة الطرف الآخر، الذي لا يصدق خطاب الخصوصية ولا خطاب العالمية، فيضعنا الشركاء في خانة اسمها «ازدواجية المعايير» (deux poids deux mesures)… كل الدول تسعى إلى تسويق صورتها على أفضل ما يكون إلى الخارج، لكن ليست كل الدول تستثمر 80٪ من المجهود والمال لتسويق الصورة، وتصرف 20 في المائة لإنتاج الحقيقة. العكس هو المطلوب، فمهما كان «لومبلاج» جميلا وبراقا فإنه لا يغني عن جودة المنتَج الحقيقي الذي سيكتشفه الناس مع المدة، مهما كان التاجر الذي يبيعه شاطرا وحاذقا.
الواقع اليوم يقول إننا بلد يقف في نصف الطريق في جل اختياراته، وإنه لا يحسم في أي خيار، فلا هو بلد استبدادي ولا هو دولة ديمقراطية، لا هو رأسمالي ولا هو اشتراكي، لا هو يمشي على طريق الشرق ولا هو يتطلع إلى اللحاق بالغرب، لا هو حليف استراتيجي لأوربا وأمريكا، ولا هو عضو نشيط في الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، لا هو مجتمع مفتوح ولا هو مجتمع منغلق، لا هو بلد يريد أن يقطع مع الماضي ولا هو بلد يريد أن يتخلف عن قطار المستقبل.. بلد يريد الإصلاح لكن نخبته ترفض أداء الفاتورة، يريد التقدم لكن دون جهد وتضحية ونظام للمحاسبة، حتى إنه يخيل للمرء أحيانا أن المقولة الاستعمارية القديمة التي تقول: «إن كل شيء في المغرب يتغير من أجل ألا يتغير أي شيء».. مقولة صحيحة مع أنها غير منطقية، وتستبطن صورة عنصرية ونمطية عن المغرب.
في استطلاع رأي موله المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية وأنجزه مكتب استشارة دولي يدعى «ريبتايشن أنستتيوت»، حول صورة المغرب في مرآة 70 دولة حول العالم، نقف على حقيقة وضعنا خارج الماكياج والرتوش التي يتفنن الإعلام الرسمي في وضعها على وجه المغرب لأهداف سياسية وتجارية. نرى أن صورة البلد تصير جميلة عند الأجانب عندما نتحدث عن الطبيعة التي منحها الله لهذا البلد، وعن الطبع الودود والمتسامح للشعب المغربي تجاه الآخر (population aimable et sympathique)، وعن الأمن الذي يميز المملكة في محيط غير آمن، وعن الخاصيات السياحية التي يوفرها للأجانب، وعن سياسة الدولة الخارجية التي تنحاز إلى السلم والأمن الدوليين. في كل هذه الجوانب حاز المغرب نقاطا إيجابية ومهمة في عيون الفرنسي والأمريكي والاسترالي والهندي والإنجليزي والروسي… لكن عندما ننتقل إلى نظرة الآخر إلى المغرب بخصوص جودة التعليم، وبيئة الاستثمار، ومستوى الابتكار، ومظاهر الفساد والرشوة، وعدم استغلال الموارد البشرية، وجودة الخدمات، وعدد العلامات التجارية المغربية التي يعرفها العالم، نجد نتائج مخيبة، إن لم تكن كارثية.
عندما يسأل معدو الدراسة المغاربة: «بماذا توصون الأجانب تجاه بلدكم؟»، يقول 77.7 في المائة: «زوروا المغرب»، لكن هذه النسبة تنزل إلى 66 في المائة عندما يتعلق الأمر بدعوة الأجانب إلى الاستثمار، وتنهار النسبة إلى 39 في المائة عندما يتعلق الأمر بالدعوة إلى الدراسة في المغرب… هذه هي الحقيقة، ومنها نبدأ لتحسين الواقع وليس الصورة فقط.

عبر عن رأيك

الآن تيفي

المزيد


استفثاء

ما هي نوعية المواضيع االتي تفضلون قرائتها على موقعكم شيشاوة الآن

التصويت انظر النتائج

جاري التحميل ... جاري التحميل ...