*/

الرئيسية > أخبار المغرب

الزمزمي..”من يصلح الملح إذا الملح فسد”

  • الخميس 11 فبراير 2016 - 12:51

عبد الباري الزمزمي
عجبي لا ينقضي من صنيع قوم كنت أحسبهم دعاة راشدين وهداة ناصحين، فإذا هم ـ كما أبدت منهم الأيام ـ يسيرون وراء كل ركب، ويتبعون كل ناعق، تقلبهم الأهواء ذات اليمين وذات الشمال، وتستخفهم المواقف الناكبة عن الحق فيجارون أهل الباطل في باطلهم ويمدونهم في ضلالهم فيقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ليرضوهم وليلبسوا عليهم دينهم والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا صادقين في الدعوة والنصح للمسلمين.
إن التملق للحكام مذموم وممقوت شرعاً وعرفاً وخلقاً، وأشد منه مقتاً وأسوأ منه مذمة التملق للجمهور الغافل الشارد الذي يعد التملق له كالتذلل للوثن المعبود الذي لا ينفع عابده ولا يجدي عليه خيراً، وهذا شأن هذا الصنف من الدعاة الزائفين، يتظاهرون بالترفع عن موالاة الحكام ولا يخجلون من تملق الجهلة والغوغاء.
حين مات عبد السلام ياسين صدعت أصوات بالثناء والمديح للرجل الذي قالوا فيه ما شاء لهم تملقهم من الأذهان والمجاملة السخيفة، ولو أنهم أثنوا على خلق الرجل ـ مثلاً ـ أو تعبده لكان ذلك سائغاً منهم، فقد يذكر الرجل بتعبده أو زهده وهو مغمور في الضلال كما هو الشأن في الخوارج الذين هم كلاب النار ـ كما وصفهم النبي (ص) ـ ومع ذلك قال (ص) في شأنهم: “يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم يحقر أحدكم قراءته مع قراءتهم وقيامه مع قيامهم وصيامه مع صيامهم”.
لكن هؤلاء المادحين الذين أثنوا على ياسين توجه ثناؤهم ومديحهم إلى فكر الرجل وكتبه ومنهجه في دعوته، فمنهم من قال: إنه أثرى المكتبة العربية بكتبه النافعة ومنهم من قال: إنه كان مربياً للشباب ومنهم من أوصى أتباعه أن يتمسكوا بمنهجه وطريقته، وهؤلاء كانوا في حياة الرجل ينكرون عليه أقواله ويسفهون أفكاره ويرون فيه خصماً عنيداً لدعوة الإصلاح والتنوير.
إن عبد السلام ياسين كان رجلا غاوياً بث ضلالات الصوفية وجهالاتهم في أتباعه كما تنطق بذلك كتبه وتسجيلاته، ورباهم على تقبل الأكاذيب وتلقيها بالإعجاب والاستحسان.
لقد سمعته في شريط من تسجيلاته يحدث عن شخصين زارا أمه في قبرها يقول: إنهما قالا لها وقالت لهما، يعني أن هذين الشخصين حدثا أمه في قبرها وحدثتهما هي الأخرى من داخل قبرها وهذا كذب مكشوف واستخفاف بالعقول الساذجة، إذ أن مؤدى هذه الواقعة الخيالية أن أم ياسين أعطيت من الفضل والكرامة ما لم ينله النبي (ص) فقد قال سبحانه لنبيه (ص): “فإنك لا تسمع الموتى” وقال: “وما أنت بمسمع من في القبور” فهل يصدق هذا الافتراء مؤمن صادق أو ذو عقل راشد.
ولو كان للرجل إيمان خالص وفكر ثاقب لخجل من نفسه أن يبوح بمثل هذا الباطل إذ كيف يتصور متصور أو يتخيل متخيل أن يتم حوار بين حي وميت، وهو أمر لم يتحقق حتى لأصحاب النبي (ص) بعد موته فلم يكلموه في قبره ولم يسألوه عن الخلافات التي عانوا منها بعد موته (ص)، وما أوصاهم قبل موته أن يأتوه في قبره ليبين لهم الذي اختلفوا فيه، بل إن حوار الأحياء للأموات لو ثبت للصحابة مع النبي (ص) لكان ذلك من معجزاته (ص) وخصوصياته ولما جاز لأحد أن يدعي مثل ذلك لنفسه أو لغيره، فكيف وهو لم يثبت أصلا للنبي (ص) ولا لأصحابه مع شدة حاجتهم إلى حكمه (ص) فيما نابهم من مشكلات ومعضلات أفضت بهم إلى التنازع والاقتتال، أفيكون مقبولا في منطق الشرع والعرف أن تتكلم أم ياسين في قبرها باللغو والعبث ولا يكون ذلك ثابتاً للنبي (ص) الذي لو تكلم في قبره لكان كلامه آية للناس وإنقاذاً لأمته من الفتن والافتراق، وصدق الله العظيم إذ قال: “من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً”.
وكبيرة أخرى من كبائر زلاته وضلاله قررها في كتابه تنوير المؤمنات إذ يقول: ما لي أتغذى من فتات موائد الكرام ولا أبحث كما بحثوا لأزاحم بالركب كبار الصوفية كالغزالي ينظرون في اللوح المحفوظ، فما مقامي أنا في ظلمة الجهل وابن تيمية يقرأ في اللوح المحفوظ. (ج1 / ص 222).
هذا قول لا يقوله إلا جاهل بالإسلام لا يدري ما الكتاب ولا الإيمان، أو مكذب بالقرآن، إذ أن المؤمن الحق لا يثبت شيئاً نفاه القرآن أو ينفي شيئاً أثبته القرآن، وقد أثبت القرآن علم الغيب لله عز وجل ونفاه عن الخلق.
يقول سبحانه: “وما كان الله ليطلعكم على الغيب”
ويقول: “عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول”
ويقول: “قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون”، يعني أن من يدعي علم الغيب فليخبر بموعد قيام الساعة.
ويقول: “وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو”.
وتأكيداً لهذه الآيات قال النبي (ص): “من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد (ص)” (صحيح الجامع الصغير) والناس يعتقدون في الكاهن أنه يطلع على الغيب وبنبئ بما سيكون في المستقبل وهذا الاعتقاد يجعل صاحبه تلقائياً مكذباً بالقرآن وكافراً بما جاء به النبي (ص)، ولكن عبد السلام ياسين لا يرى مانعاً يمنعه من تكذيب القرآن والتصديق بأن أحداً من الناس يقرأ اللوح المحفوظ وينبئ بغيب المستقبل، سبحانك هذا بهتان عظيم.
ولعل الرجل حيل بينه وبين عقله وانتزع منه نور الفرقان الذي يهبه الله للمؤمنين المتقين فهو يصدق الأباطيل ويتقبل التخاريف والأوهام دون أن يرجع فيها إلى معيار العقل وميزان الشرع، إنه يتحدث عمن سماه (مولاه عبد العزيز الدباغ) بإعجاب وغبطة وإكبار فيقول: هذا مولانا عبد العزيز الدباغ ولي الله تعالى الرجل الأمي يشرح لنا الفتح الذي يقع لمن سمت همته وتطلعت لما وراء الحس واتخذ لبلوغ غايته سبيلا… إلى أن يقول: فيشاهد صاحب الفتح الأرضين السبع وما فيهن والسموات السبع وما فيهن ويشاهد أفعال العباد في دورهم وقصورهم لا يرى ذلك ببصره وإنما ببصيرته، وكذا يشاهد الأمور المستقبلية مثل ما يقع في شهر كذا وفي سنة كذا، ويشاهد الأولياء العارفين بالله ويتكلم معهم ويناجيهم على بعد المسافة مناجاة الجليس لجليسه، وكذا يشاهد أرواح المؤمنين فوق القبور والكرام الكاتبين والملائكة والبرزخ وأرواح المؤمنين التي فيه ويشاهد قبر النبي (ص) وعمود النور الممتد منه إلى قبة البرزخ فإذا حصلت له مشاهدة ذات النبي (ص) في اليقظة حصل له الأمان من تلاعب الشيطان. (الإسلام غداً 409).
إن الرجل يسطر هذه الأباطيل في كتبه دون أن يأتي عليها بدليل ويستند فيها إلى برهان وذلك شأن المبطلين الذين لا يملكون مثقال ذرة من الحجة لإثبات ادعاءاتهم وضلالاتهم، وكل كلام خلا من الحجة فهو كذب وافتراء مصداقاً لقول الله سبحانه: “قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين”.
وعلى كل حال فالكلام اليوم ليس مع ياسين فالرجل قد مات وحسابه على ربه، ولكن الكلام مع الذين مدحوه بعد موته وأثنوا على فكره وعلمه وحضوا أتباعه على التمسك بمنهجه وهم يعلمون وجهته الزائغة ويعلمون ما ملأ به كتبه من ضلالات وجهالات والمفروض أنهم دعاة وعلماء، والعلماء عدول لا يشهدون الزور، والعلماء أمناء على الشريعة ينفون عنها تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، والعلماء للأمة كالملح للطعام يزينه ويصلحه لكن من يصلح الملح إذا الملح فسد.

عبر عن رأيك

الآن تيفي

المزيد


استفثاء

ما هي نوعية المواضيع االتي تفضلون قرائتها على موقعكم شيشاوة الآن

التصويت انظر النتائج

جاري التحميل ... جاري التحميل ...