*/

الرئيسية > اخبار شيشاوة

أقديم.. الجائحة كسرت القاعدة التعليمية ولابد من إعادة تعريف المدرسة

  • الأحد 23 أغسطس 2020 - 22:33

أجرى الأستاذ محمد أقديم، الباحث في الشؤون التربوية والاجتماعية المستشار في التخطيط التربوي بالمديرية الإقليمية للتعليم بشيشاوة، حوارا مطولا في عدد يوم غذ الاثنين 24 غشت حول البلاغ الأخير لوزارة التريية الوطنية، وهذا نصه:
* كيف تقرأ البلاغ الأخير لوزارة التربية الوطنية عن الدخول المدرسي الذي اعتمد المزاوجة بين التعليم الحضوري وعن بعد، مع ترك الاختيار للآباء في ذلك؟
-بالنسبة للبلاغ كان منتظرا أن تخرج الوزارة ببلاغ خاصة مع قرب الدخول المدرسي، فالوزارة مطلوب منها توضيح الصورة عن صيغة الدخول المدرسي المقبل في ظل هذه الوضعية الاستثنائية التي بالتالي تتطلب إجراءات استثنائية، ولذلك حتى الاجراءات المتخذة لا يجب النظر إليها أو تقييمها انطلاقا من الوضعية الحالية، الكثير من الناس يريدون تقييم قرار الوزارة انطلاقا من الوضعية العادية وكأنه ليس هناك جائحة وهذا إشكال. البلاغ أتى مجملا لم يفصل في مجموعة من الأمور ولم يجب عن الأسئلة التي يطرحها المواطنون بشكل واضح جدا

* هناك من يرى أن المسارعة في الرجوع للتعليم الحضوري وتثبيت موعد الدخول عوض تأجيله إلى حين اتضاح الرؤية، هو استجابة للقطاع الخاص الذي كان مدافعا عن التعليم الحضوري؟
– شخصيا لا أرى ذلك، لأنه أولا الاختيار الحضوري هو القاعدة في العملية التعليمية، والتعليم عن بعد هو الاستثناء وهو مرتبط بالحالة الاستثنائية، وهذا الرجوع للحضوري إذا حاولنا أن نربطه بمختلف الاجراءات التي تتخذها الدولة في قطاعات أخرى مثل الصحة والداخلية وغيرها سنجد أنها تحاول أن تعود إلى الوضع العادي، ولذلك تم رفع الحجر تدريجيا على أساس محاولة العودة إلى الوضع العادي، فأيضا وزارة التربية الوطنية عليها أن تطرح مسألة التعليم الحضوري كنزوع نحو العودة الطبيعية في أفق تحسن الوضعية الوبائية ومحاولة الخروج من الوضعية الاستثنائية. فأنا لا أرى أن فيه استجابة للقطاع الخاص بقدر ما أرى أن الوزارة تحاول أن تتخذ احتياطات. بل يمكنني القول إن هاجس وزارة التربية الوطنية هو المدرسة العمومية أكثر من الخاص لأن العمومي هو الذي يستوعب ما يقرب من سبعة ملايين تلميذ، في حين الخصوصي لا يستوعب حتى 15% من مجموع الديموغرافية المدرسية

*هذا المفروض لكن الواقع كما يقرأه الكثيرون شي آخر، لأنه لا أحد الآن يدافع عن المدرسة العمومية بينما القطاع الخاص هناك ممثلون له يلتقون بالوزير كل مرة وربما هناك ضغط؟
-أنا أرى المسألة أكبر من ذلك باستحضار عدة مؤشرات. فمثلا الوزارة لديها المجال القروي ولا يمكن أن تغطيه بالتعليم عن بعد، والقطاع الخاص غير موجود أصلا بالمجال القروي، فأنا أقول إن قرار الوزارة في الغالب راعى عددا من الاعتبارات منها الاعتبار المجالي أي القروي وشبه القروي والحضري، ومعروف أن الديموغرافية المدرسية في المجال القروي قليلة، والاكتظاظ فيه قليل بالمقارنة مع الوسط الحضري، والأقسام فيه مخففة، وحتى الوباء في العالم القروي ليس بالشكل المنتشر في العالم الحضري، يعني أن بإمكان المدارس أن تفتح أبوابها حضوريا في العالم القروي كله ويمكن للتعليم الابتدائي على الخصوص أن يكون حضوريا مع عدد من الشروط الصحية بالنسبة للأساتذة وغير ذلك من أجل حماية العالم القروي حتى لا يتسرب إليه الوباء، وهنا لا مجال لا لاعتبار مصلحة القطاع الخاص ولا غيره. فهنا أقول إن هذا قد يكون واحدا من الاعتبارات الدافعة لفهم مسألة التعليم الحضوري في قرار الوزارة الأخير، بعيدا عن مسألة مصلحة القطاع الخاص أو غيرها.

*وما هي الاعتبارات الأخرى الممكنة لفهم هذا القرار؟
– الاعتبار الأول قلنا هو الوسط هل هو قروي أو حضري فالقروي يمكن بشروط معينة تنزيل التعليم الحضوري، الاعتبار الآخر هو السلك الدراسي فكلما كان المستوى أعلى إلا وكان التلميذ أنضج ويمكنه أن يدرس بنفسه عن بعد، فيمكن مثلا إقرار أن تلاميذ الثانوي التأهيلي يدرسون عن بعد في جميع الأوساط، بينما المستويات الأدنى في الابتدائي يمكن أن تكون حضورية بشروط. الاعتبار الآخر هو على مستوى الشعب والمواد، هناك شعب أدبية وعلوم إنسانية يمكن أن يكون فيها التعليم عن بعد، أما التخصصات التقنية فيمكن أن يحضر فيها التلاميذ بعض المواد ذات الأولوية، وهكذا أفهم المزاوجة. ثم هناك اعتبار آخر وهو المستوى المادي للأسر. فالأسر الميسورة ومن يتوفر على مستوى مادي يسمح له يتوفير اللوجستيك فهؤلاء يمكنهم أن يدرسوا عن بعد، وحتى المستوى الثقافي للآباء غالبا يسمح بمتابعتهم، في حين أن أبناء الأسر الفقيرة ومن لا يتوفر على وسائل فيمكنه الحضور للمدرسة، وهذا يمكّن من تخفيف الاكتظاظ والدراسة في شروط صحية عبر التباعد. إذن نحن أمام أربعة اعتبارات تسمح بتفسير اللجوء لعملية المزاوجة الواردة في القرار. ومن الممكن الموازنة بين كل هذه الاعتبارات حتى داخل المؤسسة الواحدة وكل منطقة تأخذ بما يناسبها حسب وضعيتها، وهنا لا بد من تدخل المديرية الإقليمية أو الإدراة المدرسية لتحديد هذه التمايزات عند التنزيل.

* لكن رفضا كبيرا ووجه به قرار الوزارة، مع ملاحظة أنه بالمقابل ليس هناك صيغة واحدة أو حلا سحريا متفقا عليها من قبل الآباء، فهناك من يريد الحضوري وهناك من يريد عن بعد، وهناك من طالب بالتأجيل، ما يجعل وكأن الوزارة فعلا أخذت العصا من الوسط؟
– هذا صحيح، فلا يمكن للوزارة أن تحدد وتحسم حاليا ولذك كل ما قامت به أنها قدمت خطوطا عريضة وعامة ، أما مرحلة الأجرأة فينبغي أن تكون شأن الأكاديميات والمديريات الإقليمية، ومن الطبيعي أن هذه العموميات تثير سخط الآباء وأرى أنه مازال على الوزارة توضيح القرار، فهي بدأت بالمجمل ونصت على الصيغة بصفة عامة. وعليها توضيح مجموعة أمور مثلا مسألة ترك الاختيار للآباء فهي غير واقعية لأنه، وبعد الأخذ بعين الاعتبار الاعتبارات السابقة لا بد من فرز ما يناسب كل مجال او شريحة اجتماعية ثم فرض ذلك وعدم ترك الاختيار لمن يريد. فإذا تقرر الحضوري مثلا في العالم القروي أو في مؤسسة معينة فيه فيجب أن يلزَمَ الجميع هناك بالتعليم الحضوري ولا معنى حينها لترك الاختيار، والعكس صحيح. وكذلك الأمر حسب الفئات وما تقتضيه ولو داخل المؤسسة الواحدة. فعلى الأكاديميات والمديريات الإقليمية تحديد هذه الأمور ومراعاة المرونة التامة في ذلك. وفي الأيام المقبلة ربما سنرى بلاغا آخر يحدد هذه الصيغ بعد تجميع المقترحات حسب تلك الاعتبارات.

*هل ترى أن مرحلة الجائحة يمكن أن تترك انعكسات تربوية على الأجيال المتمدرسة الحالية؟
– شخصيا ومن خلال النتائج تبيّن لي أنه لم يطرأ عليها تغييرات كبيرة باستثناء نسب نجاح مرتفعة في السنة التاسعة، حيث لم يعتمد الامتحان الموحد النهائي فكانت النتائج مرتفعة شيئا ما، وأعتقد أنه لا بد من تأثيرات لأننا بصدد حالة طوارئ ووضع خاص استثنائي، وأعتقد أن هذا لا يتعلق بقطاع التربية فقط بل ستمس التأثيرات القطاعات كلها وليس المغرب فقط بل العالم ككل. هذا عادي لأن الجائحة كسرت القاعدة وكسرت تقليدا ومن الطبيعي أن تكون هناك اختلالات. لأن هناك رؤية ضبابية وليس هناك بدائل كثيرة فيها. كل قرار لا يعجبنا حاليا يجب أن نطرح بخصوصه سؤال وهل هناك بديل أفضل حاليا؟ البعض مثلا يتحدث عن اللجوء إلى سنة بيضاء، متناسيا أن تكلفة السنة البيضاء باهظة جدا. يعني أن موارد التعليم وما يقرب عشرات ملايير الدراهم ستذهب هباء، ناهيك عن أن هذا يعني أن تضيّع سنة كاملة من عمر الإنسان. والمتيسر حاليا هو الحفاظ على الحد الأدنى من تمدرس المغاربة حتى مع وجود الاختلالات والانعكاسات التربوية.
*هناك تقارير عالمية عن التعليم بعد الجائحة تتحدث عن مركزية الأسرة حاليا في التعليم، هل الأسرة المغربية قادرة على مسايرة هذا التحول؟
– هناك ملاحظة وهي أن الجائحة فرضت العودة إلى دور الأسرة في التربية، بعدما كان دورها تم تقليصه بشكل كبير. من قبل وعبر التاريخ كانت الأسرة هي المؤسسة الأهم في التربية، وبعد ظهور المدرسة بدأت الأسرة تفوّت بعض أدوارها لصالح المدرسة، وبدأت بالمستويات العليا ثم بدأت تنزل شيئا فشيئا، واليوم يتم تفويت هذا الدور منذ رياض الأطفال في سن أربع سنوات، بل منذ الشهور الأولى عبر الحضانات أي أن تدفع الطفل للمؤسسة وهو رضيع. فقد كان المسار هو تقليص دور الأسرة في التربية وتفويت ذلك للمدرسة، أو بالأحرى للمقاولة لأن الحضانة والمدرسة هي مقاولة مع المدارس الخصوصية. لكن مع الجائحة بدأ دور الأسرة يتنامى وبسبب التعليم عن بعد صار لا بد من متابعة الأسرة لهذه العملية، فدور الأسرة عموما يتنامى وتصير الحاجة إلى تدخلها أكبر سواء كان بدافع الجائحة أو بدافع التطور التكنولوجي الذي فرض تحديات تربوية أخرى، كما سهّل تمدرس التلميذ انطلاقا من بيته. هذا يطرح تحديات كبيرة خاصة على الأوساط التي تفككت فيها الأسر، أو على الأسر غير المؤهلة اجتماعيا وتعليميا لمتابعة أبنائها.

*لكن هذا يعني أيضا هذا تكريسا للتفاوتات التلعيمية بين أسر قادرة على المواكبة وأسر غير قادرة؟
– التفاوتات موجودة أصلا في المجتمع قبل المدرسة ومشكلتها موجودة مع التعليم الحضوري أو عن بعد. وعندما نتحدث عن التفاوت الاجتماعي فالمبدأ الاساسي الذي أسست عليه المدرسة العمومية هو مبدأ تكافؤ الفرص، وبمجرد ما ينتفي هذا المبدأ في المدرسة العمومية فإن المدرسة العمومية فقدت مبرر وجودها. والأصل أن التفاوتات موجودة في كل مجتمع. ودور المدرسة هو تصحيح هذا اللاتكافؤ وتوفير الفرصة للجميع وتصحيح الاختلالات الموجودة في المجتمع. ولذلك نرى في المدرسة ما يسمى بالدعم الاجتماعي مثل المنح والداخليات وغيرها، وذلك من أجل تعويض المستويات الأدنى وتوحيد نفس التعلمات والفئات. ومشكلة التعليم الخصوصي أنه يضرب هذا المبدأ ويجعل هناك تعليمين اثنين ومستويين اثنين

*هل ترى أن المدرسة الحالية صالحة لمرحلة ما بعد كورونا؟
-أظن أن أزمة كورونا يجب أن ننظر إليها كفرصة لمراجعة العديد من المشاريع، وعاملا مسرعا لإعادة النظر في المدرسة المغربية. يجب أن تكون فرصة لنا للتفكير في الحلول ومن بينها التعليم عن بعد حتى في الأوضاع العادية، بمناهجه وطرقه الحديثة لأن التطور التكنولوجي الواقع في وسائل الاتصال يفرض على جميع الدول أن تعيد النظر في مفهوم المدرسة تلك البناية التي تعني أقسام وسبورة والتي يسير التطور التكنولوجي في طريق إلغائها لصالح آليات جديدة. فاليوم يمكن عبر اللوحات الالكتورنية والبرمجيات الخاصة والتطبيقات التعليمة وأشكال الامتحانات والتقويمات الرقمية توفير صيغ مناسبة ومتطورة ومستجيبة للعملية التعليمية. وعلى الجائحة أن تعجّل وتدفع الوزارة إلى التسريع في التفكير في هذا الأمر، وستكون له نتائج إيجابية، وهناك دول دخلت فعلا في هذا التوجه لأنه لا أحد يتنبأ بما يمكن أن يحدث في المستقبل.

* لكن لا يجب تكرار نفس طريقة التعليم عن بعد للسنة الماضية التي وصفت أحيانا بالبدائية؟
– صحيح، السنة الماضية كل شيء أتى فجائيا. التعليم عن بعد ليس هو التدريس عبر واتساب أو فيسبوك. لا بد من توفر اللوحات الإلكترونية لكل التلاميذ، مجهزة بتطبيقات تعليمية احترافية، وفق منهجيات ديداكتيكية خاصة، ووسائل تعلمية خاصة، ويمكن للأستاذ التدخل وفق جداول زمنية مضبوطة. أما التعليم عبر الفيسبوك أو واتساب فهذا ليس تعليما عن بعد. فما كان السنة الماضية هو اجتهادات خاصة لرجال التعليم وللوزارة التي قامت بتسجيل مجموعة دروس لبثها عبر البث التلفزي وهذا شيء آخر. تلك كانت أمور ترقيعية والمطلوب هو المرور إلى التعليم عن بعد بقواعده ومناهجه الحقيقية وإعادة التفكير جديا في المدرسة.

اقرا أيضا

عبر عن رأيك

الآن تيفي

المزيد


استفثاء

ما هي نوعية المواضيع االتي تفضلون قرائتها على موقعكم شيشاوة الآن

التصويت انظر النتائج

جاري التحميل ... جاري التحميل ...