لن أشارك في المسرحية..
سليمان الريسوني
أول أمس الاثنين، وقف الشاب ربيع الأبلق في ثاني جلسات استئناف محاكمة معتقلي حراك الريف، وعندما سأله القاضي عن هويته، أجاب: «اسمح لي.. أنا أرفض أن أشارك في هذه المسرحية. لقد قلت كلاما أمام قاضي التحقيق وأمام قاضي الحكم في المرحلة الابتدائية، لكنني عندما قرأت تعليل الحكم الصادر في حقي، لم أجد سوى ما كان قد جرى تضمينه في محاضر البوليس. لأجل ذلك، فإنني لا أجد أي قيمة لما سأقوله أمام محكمتكم، وأكرر رفضي المشاركة في هذه المسرحية».
هل في ما قاله ربيع تبخيس وتنقيص للمحكمة؟ نعم. لكن، ماذا عساه يقول شاب في مقتبل العمر خرج يطالب بالحرية، ليجد نفسه محروما منها لخمس سنوات، وبالكرامة ليجد نفسه عرضة للتعذيب، حسب تقرير «الزغبي» إدريس اليزمي، وبالعدالة الاجتماعية ليجد نفسه يأكل «البيضانسي» في عكاشة، فيما أقرانه من السترات الصفراء يشعلون أشهر شارع في التاريخ (les Champs-Elysées)، ثم يلتقطون الصور الرومانسية مع صديقاتهم قرب قوس النصر، وفي المساء يعودون إلى منازلهم ليستمعوا إلى رئيس الدولة وهو يقول لهم: «لقد فهمتكم، وأنا مستعد لتحقيق مطالبكم»؟
ماذا عساه ربيع الأبلق يقول، وهو يرى من ضُبطوا من أقرانه الفرنسيين، متلبسين بتحطيم واجهات الأبناك وإحراق سيارات الشرطة وتعنيف رجال الأمن، يحكم عليهم ببضعة أشهر، فيما رفاقه الذين كانوا يحرصون على سلمية احتجاجات الريف، حرصهم على عيونهم، ينقلون بالهليكوبترات من الحسيمة إلى الدار البيضاء، ويُصَور زعيمهم بطريقة مهينة، وتوزع صوره شبه عار على صحافة التشهير، وعندما تستمر الاحتجاجات بعد اعتقال رموز الحراك، يأتيهم «شناقة» في صفة حقوقيين، ليوزعوا عليهم القبل ووعود العفو مقابل التهدئة، لكن ما إن يُخمد الغضب الريفي، حتى تتبخر الوعود، ثم يحكم عليهم بعقوبات وصلت إلى 20 سنة سجنا، ولا يظهر لـ«الشناقة» وجود في السجن أو على صفحات الجرائد التي كانت تضج بهم وبوعودهم. فماذا عساه يقول ربيع للقاضي؟
وفي الوقت الذي ينتقد فيه الجميع، بمن في ذلك وزير العدل، السياسة العقابية في المغرب، ويدعون إلى تبني سياسة بديلة، لا يتساءل أحد: لماذا فاتورة الأحكام الصادرة في المحاكمات السياسية، دائما، مرتفعة لدينا، ليس مقارنة بفرنسا، كعبتنا التشريعية، فحسب، بل حتى بجيراننا وأندادنا في تونس؟ فعندما وزع القضاء المغربي في السبعينيات أحكاما قاسية وغريبة بالسجن المؤبد و30 سنة + سنتين، على رفاق إدريس بنزكري، لم تتجاوز الأحكام الصادرة في حق حمة الهمامي ورفاقه في «منظمة آفاق العامل» اليسارية التونسية، ثماني سنوات.
كما أن المغرب يحوز رقما قياسيا، غير مسبوق في التاريخ، وأقصد الحكم بمنع الصحافي علي المرابط من الكتابة 10 سنوات، مرورا بالحكم على حميد المهدوي بثلاث سنوات لأنه لم يبلغ عن شخص معتوه قال له في الهاتف إنه سيدخل دبابة إلى المغرب، مع أن الصحافيين لو تفرغوا لإبلاغ النيابة العامة بكل المكالمات التي ترد عليهم من أشخاص متذمرين أو مضطربين يهددون بإسقاط الدولة، لما كتبوا حرفا واحدا. وانتهاء بالحكم الصادم بـ12 سنة على توفيق بوعشرين، رغم انكشاف المسرحية –بتعبير ربيع الأبلق- وخروج الكثير من الممثلات عن النص الذي جرى تلقينهن إياه، فيما طارق رمضان، الذي لم تتراجع أي من النساء اللواتي اتهمنه بالاغتصاب عن تصريحاتهن، يُتابَع في حالة سراح، والأمر نفسه يقال عن المغني سعد المجرد.
لقد شاهد الجميع كيف أن دعاوى مماثلة رفعت على صحافيين في المغرب وفي إسبانيا، فحكمت المحاكم الإسبانية ببراءة الصحافي الإسباني، وأدانت نظيراتها لدينا الصحافي المغربي بغرامة مالية ثقيلة، أو بقيت تجرجره لسنوات بين المحاكم بتهمة لا يصدقها حتى من وضعها.
والآن، ها هو ربيع الأبلق يرى كيف أن القضاء كان رحيما بأقرانه من التنانين الفرنسية، ولسان حاله يقول للقاضي: سيدي، حتى إذا لم أشك في استقلاليتك، فإنني أشك في عدالة عدالتك، وأشك في عدالة سلطتك التقديرية، لذلك، لا طائل في الحديث أمام محكمتك، طالما أنني لست متأكدا من أنها ستستمع إلى كلامي وتجعل منه أحد عناصر قناعتها.
إنني، شخصيا، وبصدق، أتعاطف مع القاضي رئيس غرفة الجنايات الاستئنافية بالدار البيضاء، مرتين. مرة لأن محكمته أصبحت في نظر شاب صغير مجرد خشبة تجري فوقها مسرحية يتوقع، من الآن، نهايتها التراجيدية.
ومرة أتعاطف معه، لأنه، وهو الآن في موقع سلطة، يعرف أن التاريخ سيذكر الماثلين أمامه كأبطال، وسيخلد أسماءهم في الشوارع والساحات والمدارس…
فمَن يذكر اليوم القاضي أحمد أفزاز غير معتقلي اليسار السبعيني الذين نسوا اسمه ولم يعودوا يذكرون سوى أنهم صرخوا في وجهه أثناء المحاكمة: «أنت فاشي.. أنت نازي»، فيما يذكر التاريخ الشعبي والرسمي إدريس بنزكري بأنه كـ«الأشجار تموت واقفة»، هكذا قال الملك محمد السادس في رسالة تعزيته.
ختاما، ما قيمة المؤسسات الدستورية إذا لم يعد يثق فيها أحد، ولم تعد تؤدي أدوارها ووظائفها؟ لن يبقى لها، حينئذ، أي دور خارج «مسرحة السلطة» (La dramatisation du pouvoir)، كما يطرحها الأنثربولوجي الفرنسي جورج بالونديي في كتابه «Le pouvoir sur scènes»، وتتحول المحكمة والبرلمان والحكومة.. إلى مجرد مسارح لا تصلح حتى للفرجة.
اقرا أيضا
تعزية.. الأساتذة والإداريون بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بآسفي يعزون في وفاة زوجة الدكتور حسن المودن
عاجل.. احتراق كلي لسيارة خاصة في الطريق السيار بمجاط يستنفر الدرك الملكي
تنسيقيات التعليم تعود للاحتجاج بسبب عدم حل مشكلة الموقوفين
التعليم في أوقات الأزمات موضوع ندوة وطنية للجمعية المغربية لأساتذة اللغة الانجليزية بشيشاوة
برئاسة الكراب عامل شيشاوة.. اللجنة الاقليمية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية تصادق على تمويل 105 مشروعا بتكلفة 53 مليون درهم
مصرع فلاح في عمق بئر بدوار البيرات بجماعة المزوضية
استعدادا للمؤتمر العام الثامن عشر.. حزب الاستقلال يعقد مؤتمره الإقليمي بشيشاوة
افتتاح مركز النصر لتصفية الدم بشيشاوة
المنطقة الاقليمية للأمن بشيشاوة تشارك في فعاليات الملتقى الاقليمي الرابع للتوجيه المدرسي والمهني والجامعي
- أخبار المغرب
- رياضة
- منوعة
- المجلس الأعلى للسلطة القضائية ودوره في تكريس المحاكمة العادلة
- المغرب يجدد لاءاته الثلاث في وجه ديميستورا للتوصل إلى حل سياسي لملف الصحراء
- أخنوش يمثل الملك محمد السادس في حفل تنصيب الرئيس السينغالي الجديد
- عقود كراء وهمية تتسلل إلى تمويل مشاريع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية
- سوء الأحوال الجوية يوقف الدراسة في مدارس بالحسيمة وتطوان وشفشاون
- بنطلحة يقارب تكلفة السلام وحيثيات “سيناريو الحرب العالمية الثالثة”
- انتخاب حسن لحلو رئيسا لجمعية التنمية الرياضية بإقليم شيشاوة
- الجامعة الملكية المغربية للرياضات الوثيرية والأساليب المماثلة تنتظم تدريبا وطنيا لفائدة العشرات من النساء والحاجي تشيد بالتنظيم النوعي للدورة
- نجاح متميز لفعاليات الدوري الممتاز للكرة الحديدية بشيشاوة بحضور عامل الإقليم
- المناداة رسميا على الشيشاوي الناضي ضمن تركيبة المنتخب الوطني لأقل من 15 سنة لكرة القدم
- تحركات حثيثة للعثور على بديل للناصيري رئيسا لمجلس عمالة الدار البيضاء
- الركراكي : أسود الأطلس يطمحون للوصول للمربع الذهبي للكان
- المغرب ضمن أفضل الوجهات خلال 20248
- 2.6 مليون مصلّ ومُعتمر بالمسجد الحرام ليلة 27 رمضان8
- الوقاية من حوادث السير وتمليك ثقافة الاستعمال السليم للفضاء الطرقي محور ورشة تحسيسية احتضنتها ثانوية الإمام البخاري التأهيلية بشيشاوة8
- هل تحركت الأرض في تركيا 3 أمتار للغرب بعد الزلزال؟8
- فأر صغير يحظى بلقب كبير ويدخل غينيس!8
- الدكتور لكريني من مراكش: “الرياضة قوة ناعمة بمقدورها مواصلة تلطيف الأجواء الديبلوماسية بين الشعوب المغاربية رغم بعض التوظيفات المعزولة”8