*/

الرئيسية > أخبار المغرب

آن الأوان لتفعل الأسرة المغربية أدوارها المعطلة في مواجهة كوفيد 19 والخروج من دائرة اللامبالاة والتشكيك

  • الجمعة 21 أغسطس 2020 - 16:22

توفيق عطيفي
إن التأمل في مضامين الخطاب الملكي الذي وجهه الملك الى الشعب المغربي بمناسبة الذكرى السابعة والستين لثورة الملك والشعب ليلة أمس الخميس 20 غشت، تضعنا أمام قناعة مفادها أن الوضع الوبائي في المغرب دخل مرحلة رمادية مجهولة الأفق وأن هذه الوضعية ما هي إلا نتيجة منطقية لحالة التراخي التي طبعت سلوك مكونات المجتمع المغربي بعد رفع الحجر الصحي الذي انفجرت معه أفواج المصابين بفيروس كورونا المستجد والتي شملت حتى الأطقم الطبية والشبه الطبية.
التأمل في مضامين الخطاب يحتاج منا قراءة التيم المعجمية المهيمنة في كل فقرات الخطاب والتي تأتي في صدارتها تلك المكتسية للدلالات التربوية والقيمية ( الالتزام، الوطنية الصادقة، الوفاء، التضحية، التحسيس، السلوك غير الوطني، السلامة…الخ) وكلها كلمات تكتسي ثقلا دلاليا يقودنا للبحث في المؤسسات التنشئوية التي تعزز هذه القيم والمعاني وفي صدارتها الأسرة المغربية.
إن الداعي للقول بأن الخطاب الملكي السامي، يعول في لغته الضمنية لا الصريحة على الأسرة المغربية هو إستراتيجية الخطاب وهندسته التي اتخذت طابع النصيحة الصارمة التي تصدر عن الأب المسؤول تجاه أبنائه حرصا منه على سلامتهم وأمنهم، حيث أكد جلالته على الحاجة الى الالتزام بالتدابير الوقائية المفرط فيها بعد رفع الحجر الصحي، حيث يقول جلالته:” والواقع أن نسبة كبيرة من الناس لا يحترمون التدابير الصحية الوقائية، التي اتخذتها السلطات العمومية: كاستعمال الكمامات، و احترام التباعد الاجتماعي، واستعمال وسائل النظافة و التعقيم”، وهذه الصور وغيرها من عدم الالتزام التي صارح بها جلالة الملك الشعب المغربي معنية هي الأسرة المغربية لأخذها على محمل الجد والحرص على تفعيل شريحة مهمة من الأسر لأدوارها “المعطلة” في مواجهة فيروس كورونا المستجد.
مضمون الخطاب السامي بقوته البيداغوجية تخللته معاني من التأديب الخلاق، تأديب الأب لابنه، حينما قال جلالته حفظه الله بأن المواطنين المغاربة لم يكونوا في مستوى اليقظة والالتزام بالتدابير الوقائية كتلك التي كانوا عليها في بداية كوفيد 19 والتي جعلت الأمم والدول تضرب بالمغرب والمغاربة المثل الأعلى في بداية الأزمة، وتوصيف الخطاب الملكي بالتأديب الخلاق أملاه نص الخطاب نفسه والذي استبعد في فقرة لاحقة أن يكون الغرض من مستوى الصراحة والصدقية التي تحدث بها رئيس الدولة إلى الشعب يحمل دعوى “عتابية” أو تحاملية، بقدر ما هي دعوة إلى تفعيل الكل لأدواره بدء من الأسرة الأس الأساس في معركة مواجهة الوضع الوبائي الخطير الذي تمر منه بلادنا، خاصة بعد أن استطاعت الدولة خلق مناخ مناسب للقضاء على الوباء من خلال توفيرها للمواد التعقيمية والكمامات وفتحها لأوراش الدعم الاجتماعي للحد الذي وصف فيه الملك الدولة بأنها “أعطت أكثر مما لديها من وسائل وإمكانات”.
ويمكن أن نسجل ملاحظة في هذا المستوى، ألا وهي عدم توصيف جلالة الملك الأمر باستنفاد الدولة لكل قدراتها والاقتصار على “إعطاء الدولة أكثر مما لديها”، إشارة ذكية منه الى أن الوضع الوبائي ليس قدرا حتميا بل هو نتيجة حالة التراخي المجتمعي وبالتالي الحاجة للعمل على تجديد النية والتعبئة الجماعية من جديد لوجود رأسمال وطني لم يستنفد إمكاناته وهو رأسمال إرادة ملك وشعب بمقدورهما تفجير ثورة ملك وشعب جديدة، يكون وقودها تفعيل الأدوار المعطلة للأسرة المغربية بروح المسؤولية والالتزام الوطنيين والإنسانيين.
الاهتمام بالأسرة في هذه المقاربة ليس من باب التحامل بل للأدوار الإستراتيجية التي تقوم بها ولموقعها في المعادلة المجتمعية ومؤسسات التنشئة الاجتماعية، ذلك أنه من غير المقبول أن يكون الأب والأم غير مباليين بالأبناء في التشديد والحرص على ضرورة التقيد بوضع الكمامات واستعمال أدوات التنظيف بل الأخطر من هذا أن بعض الأسر تشكك في حقيقة وجود المرض في أصله، وهذا التشكيك يأخذه الأبناء محمل الصدقية بمنطق عدم الثقة في السلطات العمومية ومن ثم الدولة بكل مؤسساتها، وهذا المدخل التشكيكي وحده كاف لتخريم كل الجهود التضامنية التي بذلها المغاربة في بداية الأزمة.
لا أحد ينكر أن الأسر المغربية تضامنت فيما بينها بالمال وإيواء بعضها البعض من أجل بلدها، غير أن هذا الدعم في هذا المستوى المادي والمالي الصرف لم يعد استراتيجيا، أمام الحاجة للدعم المعنوي عبر الانخراط في عمليات التحسيس والتبليغ عن كل ما من شأنه تقويض الجهود المبذولة بما فيها ” حفلات الأعراس السرية ” لدى السلطات العمومية، مادامت الوطنية يقول جلالته:” تقتضي أولا، الحرص على صحة وسلامة الآخرين؛ ولأن التضامن لا يعني الدعم المادي فقط، وإنما هو قبل كل شيء، الالتزام بعدم نشر العدوى بين الناس”.
البعد التربوي أيضا في نص الخطاب الملكي، في رسمه للوضع المستقبلي القادم لا محالة في حال عدم مراجعة المواطنين والأسر المغربية لسلوكاتهم في التعاطي مع الوباء الفتاك، حيث ارتفاع في أعداد المصابين والوفيات وبالتالي انهيار المنظومة الصحية لا قدر الله، وهذه الآلية التربوية لها حضورها في التحليل النفسي لدى سيجموند فرويد رائد علم النفس، حيث أن إثارة القائم على التربية للمخاوف والتعريف بها وبسطها أمام الفرد موضوع التربية تقود بالضرورة إلى تغيير سلوك عدم الالتزام إلى “السلوك الوطني المثالي والمسؤول” مخافة السقوط في السناريوهات التي قد تفتك به وبمحيطه حفاظا على البقاء والاستمرارية.

اقرا أيضا

عبر عن رأيك

الآن تيفي

المزيد


استفثاء

ما هي نوعية المواضيع االتي تفضلون قرائتها على موقعكم شيشاوة الآن

التصويت انظر النتائج

جاري التحميل ... جاري التحميل ...